سلمى النجار تكتب .. “ركوب التريند”
قديمًا نعرف أن الشخص المشهور هو من له علاقة بمجال معين وناجح فيه كالعلماء ورجال الدين والكتاب والفنانين ….أي شخص له تأثير في الناس وتوجيههم ، الآن أصبحت الشهرة بلا هدف وتثير القلق وعدم المصداقية وساهم في ذلك المواقع الإلكترونية وسرعة التفاعل مع المنشورات حتي يتصدروا الأخبار وتدرج الآن باسم ” التريند “.
ركوب التريند كما يُطلق عليه أصبح ظاهرة سهلة ومبتذلة لأي شخص يريد الشهرة وتعرفه الناس بسهولة من دون أي محتوي أو إنجاز يُذكر عن طريق زيادة عدد نقرات الإعجاب والمشاركة علي التطبيق الذي قام صاحب الشهرة بتحميل ما يريد عليه لإثارة انتباه الناس .
يوتيوبر عراقية (لها فيديوهات كثيرة علي موقع يوتيوب) معروفة تقوم بحركة استغاثة بيدها ومن ثم يُسمع صوت استغاثة وبعدها يُكتشف بأنه عرض لركوب التريند أي يبقي في مقدمة المشاهدة ، شاب يصور فيديو لعمل فضيحة لحبيبته حينما قررت التزوج بآخر وغضب أهلها وحزنهم مما سمعوا منه وفي النهاية ستكتشف أن الحبيبة ليست موجودة وأن الأهل الذين ظهروا بالفيديو أهل الشاب وليس أهلها وفعلوا ذلك لركوب التريند أيضًا ، حتي المرض لم يسلم من الادعاء به حيث ادعي شخص علي نفسه بإصابته بالسرطان وتعاطف الناس معه ومع والدته وفي النهاية تتضح أنها ألعوبة منه وتبريره بأن لا نلومه لأنه عاش مالا يستطيعه أحد ، وأخيرًا ظهور شاب آخر مع زوجته الحامل واحتفال بمناسبة تبدو وكأنها زواج مما ساهم في ترويج الإشاعات ومن ثم يُعلن بأنها حفلة لمعرفة نوع الجنين !.
الإسفاف السابق لم نعرف له سبب وجيه فهل حب الشهرة تجعل الشخص جاهلا بفعله لهذا الحد ،تلويث حياته الشخصية أصبح أمر هيّن مقابل تصدر التريند أما المجهود والتعب وهدف المحتوي وثقافته يأخذ وقتًا والسهل دائما تترجح كفة الميزان ناحيته !.
المشكلة في ركوب التريند أمر مؤسف ليس فقط لمراوغته ولكن عدم المصداقية ستقلل تفاعل الناس بمعني لو أحد في أزمة حقًا واستغاث، فالخوف بأن لا أحد يتعاطف معه ظنًا منهم بأنه يفعل ذلك ليكون في مقدمة التريند !.
وبمناسبة التريند.. يسعي الكثير لأن يصبحوا بلوجرز( مدونين Bloggers ) مشهورين للأزياء، للمطاعم مثلا إلي أن تزايد الأمر بشكل مسموم دون أي فائدة تعود علي الناس بل أرباح لهؤلاء البلوجرز ،لا يستطيع أي مجتهد تحقيق ولو نسبة من تلك الأرباح مهما بذل من جهد أما البلوجرز فيربحونها في دقائق ويساعدهم علي ذلك مستوي المشاهدين الذي تدني إلي حد جعل لهؤلاء شهرة !. غضب عارم اليوم حينما تم تنزيل تسعيرة الإعلان علي حساب أحد مشاهير السوشيال ميديا أو أحد البلوجرز وأسعار تصل إلي ستين ألفًا أو أكثر وذلك ربح من لا شيء .
ما الذي يجعل البلوجر مشهور إلي هذا الحد ،ماالذي يقدمه ،ما الذي يسعي بفعله ليؤثر في الناس ،ما الهدف الذي يحققه مشاهدي راكب التريند ،ما الذي يجعلهم محل اهتمام وإثارة لهذا الجيل بلا شئي.. أهو من الجهل ،فراغ ،التلاعب بعقولهم أم سهولة الحصول علي الربح تفتح عين الآخرين علي محاكاتهم عوضًا عن بذل المجهود الذي لايجني أي فائدة .
البعض أخبرني بأن لا ضرر في تلك المقاطع التصويرية سواء للبلوجرز أو محبي الشهرة وأنها كمسرحية تُمثل لجذب الانتباه ولكن الفرق في أن وقتها يكون أحيانا لا يتعدى الثلاث دقائق ،تلك الفيديوهات تشبه مسرحية!. أنا لم أدرس فن المسرح جيدًا ولكني علي الأقل أعرف هدف أشهر رواده “د/رشاد رشدي ” حينما قال : …..فماذا قدمنا للناس؟…مشاكل عابرة…آراء خاصة …أفكار تكشف عن صاحبها ،دمي تتحرك ولا تلمس شغاف القلب، دعايات وادعاءات ؟…لا تلوموا الناس ..فالناس بخير…دعونا أولًا نلوم أنفسنا .
وكان يري علي الرغم من ذلك بأن فنه المسرحي بجهوده المبذولة فيه من المشتغلين والمهتمين بالمسرح، لم تكتسب الحركة المسرحية عندنا بعد الكيان العضوي الذي يحقق لها حياة مستقرة …..إلخ
لا أعرف ما الذي جعلني أبرر هذا الرد الغير متماثل ولكن ربما حبًا في رائد المسرح الحديث “د/رشاد رشدي” وما أفناه من جهد مبزول ليعِ الناس ما هو المسرح ؟ ..ليس مجرد كلمة يتشبه بها مالا يليق (ما ذُكر كان بقلم” د/ سمير سرحان ” بكتاب “رشاد رشدي ).
الانشغال بما هو عملي والاندماج بالفكر سيزيد من وعي الشباب بدلًا من الاتجاه لتلك الطرق لجمع المال أو الشهرة والحرص علي بروز أصحاب العمل والهمم والمجتهدين المغمورين وسط كل تلك الفوضى ،العمل علي تقديم محتويات هادفة والتشجيع عليها ستغير حتمًا من طريقة التفكير أيضًا وكل ذلك حرصًا علي الأجيال القادمة لتجد ما يكون دعامة لها في ظل صراع التطور التكنولوجي والعلمي والفكري وأن لا تكون العقليات الآتية بسطحية اليوم التي تُساعد في شهرة أمثال هؤلاء .