مقالات

هند هيكل تكتب: “أنا هنتحر”.. سامحوني

 

 

نعيش في زمان‏ اختفت فيه أسباب الموت المألوفة وحلت بدلًا منها ثقافة الانتحار.. الانتحار المعلن عنه في الآونة الأخيرة ما هو إلا حافزا لانتحار آخر من قبل شخص حساس، أو شخص يمتلك دوافع انتحارية مسبقة، والتي يطلق عليها “العدوى الانتحارية” التي تنتشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا التي يُروج لها بعض المستخدمين، والتي تعود لأسباب عدة منها الاكتئاب والاضطرابات النفسية والضغوط وفقدان التضامن الاجتماعي مع من يعاني من فقدان أسباب الحياة الرئيسية.

ويعتقد الكثيرون منّا أن الشخص الذي يقرر الانتحار هو شخص -جبان وخواف- وهذا غير صحيح والدليل إن أحد أسباب الانتحار لدى الشخص المنتحر هي حالة عدم خوف من الموت والتي توجد فطرياً بداخل كل منا، لكن مع الظلم والمهانة واليأس والمستقبل المجهول والذل والفقر والحاجة والتضييق ووقف الحال، يصبح الموت هو الاختيار الأشرف له.

“الانتحار” ما هو إلا حالة من عدم التوازن داخل الإنسان والتى تؤدي به إلى الانتحار.. دع عنك المرضى المقهورين على أفعالهم، ذلك أن خالق الإنسان خلقه مُركبًا من مادة وروح..

 عندما بحثت عن الأسباب التي تؤدي إلى  الانتحار في الدول الأوروبية وجدت أن سويسرا كانت تجرم الانتحار وتحت ضغط مؤسسات حقوق الإنسان ألغت قانون التجريم وجعلت الأمر قضية صحة عقلية الغريب أن بعد إلغاء القانون زادت نسبة الانتحار ١٠ أضعاف مما جعلني اربط ذلك بحكمة التحريم.

وجدت أيضا أن ‏الأفكار الانتحارية تتولد بعدم الاستقرار النفسي والذي ينتج عن أسباب مختلفة لذلك فالعلاج يكمن في التشخيص النفسي والعلاج السلوكي أو الدوائي وهذا ما يجب التركيز عليه وليس التذكير بتوابع الانتحار وما قد يحدث بعده لأن ذلك  لن يمنع الانتحار ولا حتى يمكن اعتباره دعم نفسي.

‏لا أشك أن من أقدم على هذا الفعل الخارج على الفطرة الإنسانية والنفس السوية وثوابت العقل، لا أشك لحظة أنه لم يكن سعيدا، وأنه لم يصل إلى حالة الرضا التى تكسبه الهدوء والسكينة والسلام مع نفسه..

كما وجدت إن أكثر المجتمعات مدنية وتقدما هى أكثر المجتمعات إقبالا على الانتحار، المجتمعات التى وصلت إلى درجات خيالية من العلم وظنت نفسها بديلة عن الإله، ومكنفية بذاتها، ومستغنية بعلومها عن خالق الكون هى أكثر المجتمعات إقبالًا على الانتحار وتفننًا فى أساليبه وتنويعا فى أشكاله، سواء أكان الانتحار فرديا أم جماعيا..

وقال تعالي ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) ”  (سورة الحجر الآية 28 :الآية31) .. وجعل لكل جانب منهما غذاءه وما يقتات له، فقوام بقاء المادة طعام وشراب وكساء ودواء، أما الروح فقوام بقائها الإيمان..

لا أشك لحظة أن المنتحر قد أهمل جانب الروح فاختل التوازن داخل هذا البناء الإلهي الذي جعل الله مِلاطه خليطًا من المادة والروح، فتفكك البناء وهوى.

“فيا معشر المتألهين على عباد الله، خَلُّوا بين المنتحر وربه، فسيخبره بحجته، والله أعلم بحالته”

تمر الأيام والليالي ثم يطفح بك الكيل ..!

ثم ماذا ؟ ثم يتغلغل إلى قلبك شعور بالضيق، العجز والانطفاء، ثم ذلك القلب وحجمه الذي لم يتعدى قبضة اليد يمتلئ بكل تلك الضغوطات ألا تعلم بأن الله مُدبر لك كل هذا ؟ ألا تعلم بأنه حَرَّم الانتحار رغم سهولته لكي تعافر وتقاوم حتى يصلك فرجه حتى وإن تأخر؟ فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، هون على قلبك يا إنسان فأنظر لأهلك إذا كانوا معك، أصدقائك، حتى أقاربك فإذا لم يكونوا معك فإن الله معك تقرب منه وتضرّع وسترى العائد عليك بعد ذلك، فالحياة صعبة ومليئة باليأس والبؤس وأيضا بالفشل ولكنك بحوزتك عقلًا فاجعله منبعًا لصبرك ومن يعلم ماذا تخبئ لك الحياه بعد كل ذلك الصبر ، فإذا وجدت شخصًا منطفئًا لا تتراجع لحظه بأن تبعث له الأمل من جديد، حدثه عن حب الناس وأصدقائه له، حدثه عن أشياء بإمكانها إسعاده لعل ذلك ينقذ نفسًا من الغرق فى بحٍر من الظلمات.

يقول أحدهم : كثيرون هم من أهملوا الروح، ومع ذلك لم يقدموا على الانتحار؟!!!!

أقول: ومن أدراك أنهم لم ينتحروا ؟!! ياعزيزى إن من اختار طريقا غير طريق الله، أو سلك فجًا لا يُوصل إلى الله، قد نحر نفسه بغير سكين، وذبحها من غير إراقة دم، فالمنتحر بآلة، والمنتحر ببعده عن الله، عاقبتهما واحدة إلا أن يجود الله عليهما بعفوه، ويمن عليهما بالعتق من عذاب الآخرة.

وفي النهاية ..”الانتحار هو موت لا يشبه أي موت آخر، بينما يجب على الأشخاص الذين يتركهم المنتحر خلفه لمصارعة عواقب انتحاره مواجهة الألم الذي لا يشبه أي ألم، إنهم هؤلاء الأشخاص الذين يتركون ليعانوا من الصدمة وأسئلة لا نهاية لها..” لو فكر بها المنتحر لما أقدم على الانتحار ‏مُحاولات البعض تبرير ارتكاب جريمة الانتحار، والتماس الأعذار للشخص المنتحر؛ ستؤدى إلي عواقب وخيمة وكارثية علي أفراد المجتمع خصوصاً فِئَة الشباب فعلينا جميعا أن نُدرك خطورة الكلمة التى تخرج مِنّا، فربما كانت سبباً في انقاذ روح أو إزهاق حياة، لكي لا يصل الأمر إلى خسارته مع ورقة مكتوب عليها: انا هنتحر.. سامحوني..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى