مقالات

هند هيكل تكتب: رحلة التجاوز

‏لدي قدرة على التجاوز عظيمة، أتعجب منها في أحيان كثيرة، ولكنها من السمات التي تميزني، فأنا شخصية قوية لا تبكي على الأطلال، وأميل للحقيقة حتى لو كانت مُرة، لم أبدأ بالتخلّي عن الطرف الثاني في أي علاقة، ولست الطرف الذي ينسحب أولًا، لكن بمجرد ما ألمح وميض الحقيقة وأعرف أنه لا فائدة، فأنا أرحل على الفور وأتجاوز الأمر في لحظته، ولا أتأخر عن فعل ذلك أبدًا، فليس كل شيء يستحق أن تقف له، ولإن الذي خلق الحبّ، خلق التجاوز،‏ ولأن التجاوز يقتضي تحمل المسؤولية، لا طيّ الصفحة أو اللجوء إلى النسيان، لذلك لا تجعله يستهلك سلامك الداخلي، يقول هيجل: “حقيقة أن شيئًا ما تم تحديده كقيد يعني ضمنيًا أن القيد قد تم تجاوزه بالفعل”..

تجاوز المشاعر الصعبة فن وانتقام هاديء، التجاوز الرقيق، التجاوز عن طيب خاطر وبكامل الود والحب دون أن تحمل عتاب على القدر، التجاوز دون أن تُخفي حسرة أو سؤال في قلبك، تجاوز الظنون، تجاوز الفترات والمواقف، وحتى تجاوز الاشخاص، التجاوز دون ندم أو التفات تجاوز أشبه بالإطمئنان والتسليم، التجاوز أن تتذكر كل شيء، بكل تفاصيله، ولا تتأثر، التجاوز ضد النسيان، لأن نسيان الأشياء فكرة مستعصية، تزيد من حجم الوقوع في ذكرياتك، ‏أمَنح نفسَك قُوة التجَاوز لكُل ما يُؤذيك، مشاعرِ، أشخاص، مُواقف، تجَاوز قبّل أن تتّجاوز..

قدرتك على تجاوز أي مرحلة ستكون على قدر ما تحمله لا أكثر ولا أقل، التجاوز رحلة تحتاج منك صرامة وإلتزام، وتدريب النفس على التعامل مع ضعفها، ستصادف فيها أيام صعبة وتعيش أخرى رائعة، تشعر معها باستعادة معنى وقيمة الحياة، ومهما كان حجم وصعوبة الرحلة التي تمر بها، أعلم أن الله لم يضع في طريقك الصعوبات، إن لم تكن قويًا وقادرًا على أن تتخطاها وتتجاوزها، وأعلم أن جميع الصعوبات لها نهاية، يجب أن تدركها في لحظتك الحالية وليس بعد التجاوز، لتدركها من خلال كتابة الذكريات عن هذة المرحلة، اكتب كل شعور تعيشه، اكتب كل ما يؤلمك، اكتب طويلاً لأجل التجاوز، تجاوز المراحل المؤلمة والمشاعر المؤذية، والمواقف المحبطة، تجاوز بالقدر الذي يحفظ مزاجك وطاقتك وراحتك..

درّب نفسك على ممارسة فن التجاوز أمام كل تلك الأشياء، التي تجعلك تخسر راحة بالك ومزاجك وهدوءك، تجاوز بالقدر الذي يحفظ مزاجك وطاقتك وراحتك، تجاوز هزيمتك، ندمك، تجاوز ذكرياتك، أحلامك، انهزامك، يأسك، إحباطك، تجاوز الإساءة، تجاوز السخافة، تجاوز الفكرة الغبية، تجاوز السُّفهاء، والأهم تجاوز أشخاص إنتهت مدة صلاحيتهم، تجاوز دون أن تألم أو تتألم، وهكذا هذه الحياة تحتاجك أن “تتجاوز” كثيراً حتى تستطيع العيش فيها، فالتجاوز رحلة، وليس مجرد قرار ينقضي في لحظته، قد تفقد في تلك الرحلة قدرتك على الإحساس والتفاعل شعوريًا مع بعض الأمور ما يسمى بالتبلد..

ستصل لمرحلة النضج عندما تدرك أن التجاوز يحقن شذرات الروح، عندما تصل لمرحلة البرود وتصبح الأمور التي كانت تستفزك وتحرق دمك في الماضي، باتت أمراً عادياً، عندما تتوقف عن التفكير في الأمور التي تزعجك، لأن كثرة البقاء في النقطة نفسها والصفح في كل مرة عن الخطأ نفسه، واحدة من المشاكل المُنهكة للنفس؛ ‏بمرور الأيام ستتعلم التجاوز، ستتعلم أن تمر بجانب الألم ثم تمضي ساخرا، ستعرف أن جراحك مفتوحة لكنها لم تعد تؤلمك، فإن ‏أقصى مرحلة من التجاوز وطيب الخاطر تتجلى في هذا البيت: “سبحان من خلّاه عقب التناهيد، شيٍّ أشوفه ما يحرّك كياني”

‏ شعور التجاوز وتخطي الصعوبات أعتبره إنتصار عظيم لا يُتقنه إلا الأقوياء، انتصار يُشكل فارق مهم في حياتك، أن تتجاوز شخص كنت تحبه أو تنسى شئ فقدته أو تتعايش مع واقع كنت ترفضه بعد أخذ القدر الكافي من البكاء والنواح والانهيار والندم وغيرها، انتصارات قد تكون شكلت فارقًا مهمًا فى حياتك، ولكنها لم تكن سببًا للتفاخر أو جلب السعادة..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى