مقالات

سلمى النجار تكتب .. ليه لأ ؟!

“إن الإنسان الذي يعيش في مجتمع ما يسمى بالحرية المطلقة، لابد أن تكون حريته حرية نسبية، لا تعتدي على حريات الآخرين، وبعيدا عن مخالفة الدين وتعاليمه….”.

ما سبق كان رد الشيخ متولي الشعراوي رحمه الله على صحفية إنجليزية حينما سألته عن الحجاب للمرأة المسلمة ( من كتاب المرأة في القرآن للشيخ محمد متولي الشعراوي).

حرية نسبية….دعنا نتوقف عزيزي القارئ عند ذلك الوصف الدقيق لكلمة الحرية والذي نادرًا ما يُذكر أمامنا، البعض يكرر أنا حر مطلق في كل شيء و الآخر أنا مقيد لم استطع الحركة وتصرفي وفقًا للمعايير التي حولنا… ما الذي يدفع هؤلاء إلى التفرق ما بين هذين النطاقين سواء للرجل أو للمرأة وتحديدًا مازالت قضية المرأة في محاولات للخروج عن تعسف المجتمع لكونها أنثى لاحول لها ولا قوة…… ولتلك المناسبة؛ يتداول اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي اختلاف الآراء حول مسلسل “ليه لأ؟!”

بطولة الفنانة الشابة أمينة خليل وباقة من النجوم الشباب وأبرزهم بالبطولة الفنان محمد الشرنوبي وجميعهم  مع الرائعة هالة صدقي التي قامت بدور الأم   والمسلسل من إخراج مريم أبو عوف وتأليف مريم نعوم وسيناريو وحوار دينا نجم  . مسلسل تتدرج فكرته باختصار عن فتاة شابة تتجه للعيش بعيدًا عن أهلها و تسلط رأيهم لرفضهم مسابقة تتطلب بعض الشروط المرفوضة لهم وذلك بعد أن تخلت  عن خطيبها ليلة كتب الكتاب وهربت… من هنا بدأت فكرة المسلسل…

 الحرية التي أرادت أن تشعر بها البطلة تندرج تحت العديد من المعايير بالنسبة لأهلنا ولأولويتنا ولمجتمعنا كمجتمع شرقي وشرفي.. نعم قصدت ما قرأت، المجتمع الشرقي الخاص بنا مازال  ينظر لحرية المرأة على الانفراد بالعيش لوحدها عن أسرتها أمر غير مقبول لأنها معرضة للخطر من صعوبة الاعتماد على النفس ومضايقات الآخرين باعتبارها فتاة لوحدها من نصب، تحرش.. ولذلك يعتبر انفرادها منافي للشرف .

لا نستطيع أن  نجزم بأن تفكير المجتمع في تلك الفكرة على صواب لأن زمننا هذا نسعي فيه إلى المسئولية والبحث عن كل شيء والاعتماد على النفس وأن تكون حرة  وهذا ما فعلته بطلتنا  بالمسلسل ولكن تكمن المشكلة في أنها خرجت بالحرية عن إطارها النسبي؛ استضافتها لشباب بمنزلها، علاقتها بشاب مرتبط ومحاولتها استغلال سوء التفاهم بينهم للتقرب منه ولعائلته ومناظر اختلاط بينهما بعيدة كل البعد عن الدين ومن هنا جاء الاختلاف.

ذكرنا المجتمع كسبب أول يُعد عائق أمام الحرية والسبب الثاني

 هو الأهل.. يكد الأهل في محاولات لتربية أولادهم وبناتهم على نهج ما تربوا عليه بدون النظر لحالة جيلهم وطريقة تفكيرهم المختلف ومازالوا يتجهون إلى التفرقة في التعامل بين البنت والولد، للولد الحرية في تعليمه واختيار اسلوب حياته لكونه سيكون مسئول عن أسرة فيما بعد  أما البنت التعليم ومن ثم زواجها بمجرد تخرجها أو خلال الدراسة حتى لا تكبر في السن ويضيع عليها فرص الزواج المناسبة على حد قولهم وتكون مثل خالتها التي كبرت في السن بلا زواج ، وبالفعل جسدت المبدعة هالة صدقي بدور الأم التي تود الفرحة بابنتها ولكنها تصمم على العيش بطريقة مختلفة وتهرب من تسلط الأم وفرض أوامرها مع حدة النقاش.

 دائما ما ينسى الأهل أن لبناتهم الحق في اختياراتهم الشخصية من الفكر والعمل والزواج حتى تقابل الشخص الملائم وأن تلك الأمور ليست لها وقت كما يدعون بل وقتها حينما تكون البنت مؤهلة نفسيًا لذلك وغير محددة بالعمر ولها الحرية ولكن حل المشكلة لم يكمن في العيش بمفردها تاركة أهلها يتألمون بقلقهم ، لذلك خرجت البطلة عن حدود حريتها وخصوصًا أنها غير مضطرة لفعل ذلك وسبب المسابقة الغير مؤكد لم يكن مضمونًا كما حدث بالنهاية مع الاحترام  للحالات المتغربة لأسباب منطقية كالعلم أو للعمل من أجل مساعدة الأهل أو أي من متطلبات الحياة.

السبب الثالث كسور منيع لمطلق الحرية ألا وهي الأولويات؛ هناك مكافحات تضحي بعملها وتحقيق ذاتها من أجل صغارها وحرصًا منها على الاهتمام بأدق تفاصيلهم وحياتهم، البعض الآخر اضطر العمل منهم لإثبات الذات ومنهم للمعاونة في توفير متطلبات الحياة سواء للزوج، للعائلة، لنفسها على الأقل، فالجميع رتب أموره حسب أولوياته أما بطلتنا فقد قررت الانفراد بدون النظر لأي أولويات، كل ما يشغل تفكيرها هي المسابقة والتي ظنت أنها من خلالها تمكنها من الحرية المطلقة ولم تتذكر الأهل حتى وإن بدوا على خطأ فمن الممكن اختلاق حل بدلًا من ترك بيت العائلة  ولا الخطيب الذي عد نفسه منتظرًا زفافه ولم يكن متوقع هروبها!.  الحرية لابد أن تكون لها قيود مادام يوجد أناس معنا، فلابد الأخذ بعين الاعتبار لوجودهم حتى لا نؤذ أحدًا ظنًا منا بأنه بدون قصد …….

كل منا حر ولكن بشكل نسبي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى