هند هيكل تكتب : فيلوفوبيا الحب
لطالما كنت ومازلت تهرب من العلاقات، لطالما كنت ومازلت تخشى من الارتباط والتعلق بأحد، وترعبك فكرة التعلق الشديد والتمسك بشخص يوما ما، لطالما كنت تكره العلاقات العاطفية الجدية، وتميل إلى العلاقات العابرة التي تخلو من المسؤولية والالتزام، وترى العلاقات العاطفية الجدية تتطلّب الكثير من المسؤوليات، فأنت مصاب بـ “الفيلوفوبيا” Philophobia أو فوبيا الوقوع في الحب والخوف من الارتباط العاطفي..
جاءت التسمية العلمية للفيلوفوبيا من كلمة (philos) والتي تعني الحب، وكلمة (phobos) والتي تعني الخوف وهما مصطلحان يونانيان، يقول الشمس التبريزى : ” الحبُّ هو ألاَّ تخاف وأنت في وسَط بحرٍ من الخوْف”..
الفيلوفوبيا هى أحد أخطر أمراض مجتمعنا المعاصر، فهو مرض فعلي حقيقي، يتجاوز مشاعر الخوف الاعتيادية، حيث يمكن أن يؤثر بشكلٍ سلبي على الحياة بأكملها، وهى تندرج تحت الاضطرابات النفسية التى تولى أهتمام كبير من قبل أطباء النفس المرموقين، والتى تجعل المصاب به يهرب من الحب والارتباط، فيتجنب أي شخص يحاول التقرّب منه عاطفياً، وبمجرد أن يفكر في خوض علاقة عاطفية، تتحرك الدفاعات النفسية في داخله، فيهرع مبتعداً عن الطرف الآخر، وينسف فكرة الارتباط من حياته، هناك مقولة عظيمة لـ “باولو كويلو” تقول : “إن الخوف من العذاب اسوأ من العذاب نفسه”..
تتنوّع الأعراض النفسية للفيلوفوبيا بين العزلة، والخوف الشديد، صعوبة في التركيز أثناء العمل، التهرّب الدائم، البكاء أحيانًا، وتجنّب الأماكن التي يرتادها العشاق، والقلق والهلع الشديد عند ورود فكرة الارتباط، والذعر من شعور التعلّق بأحدهم وبين العلامات الجسدية التي تظهر على المصاب في مراحل متقدمة مثل التعرق والغثيان والرجفة وسرعة التنفس صعوبة في التنفس أحيان أخرى، والتشنج العضلي وتسارع ضربات القلب، ورجفان في بعض الأحيان، يقول فيودور دوستويفسكي: “إن ما قد يبدو لك في طبيعتك شراً إنما يصفيه وينقيه ويطهره مجرد شعورك به، حاربي الخوف كذلك وما الخوف على كل حال إلا ثمرة من ثمرات الكذب، ولا يصدنك عن ملاحقة الحب ما قد تثيره فيك عيوبك من رعب أو يأس، لا تدعي حتى لأفعالك السيئة نفسها أن تهزمك في هذا الكفاح”..
وبرغم أن مرض الفيلوفوبيا غير مذكوره في الدليل التشخيصي للأمراض النفسية، لكننا اليوم أصبحنا نرصده بكثرة، وتشير الدراسات إلى أن أكثر الأشخاص عرضة للإصابة بالفيلوفوبيا هم من عانوا من صدمات أو أذية نفسية في الماضي، وتعرضوا لعلاقات عاطفية فاشلة سابقاً، والأشخاص الذين يشعرون بالضعف وقلة الثقة بالنفس، ويؤدي خوف الشخص من عدم حكمه على الأمور بشكل جيد في هذا الاضطراب، كما أن البعض يكون لديهم خوف من فقدهم للسيطرة؛ بسبب خبرات سابقة، وأولئك الذين يترقبون بشكل دائم شعور الألم، ويظنون أن كل سعادة ستنتهي بخيبة وأسى، وقد يكون السبب هو الخوف من الفشل أو الخيانة، وفي حالات معيّنة، يأتي طلاق الوالدين أو خلافهما الدائم ضمن الأسباب.
فمثلًا إذا تم التخلي عن الشخص عندما كان طفلًا أو كانت العلاقة بين والديه مضطربة دائمًا، أو جرّب الارتباط لمرة وكُسر قلبه، يبعث ذلك في نفسه ردة فعل عكسية تجاه أي شخص يحاول التقرب منه خوفًا من تكرار الصدمة، وقد يدرك المصاب بينه وبين نفسه أن هذا الخوف غير منطقي، ولكنه ما زال يشعر بعدم القدرة على التحكم فيه، تقول ماريان ويليامسون: ” الحب هو ما ولدنا به, الخوف هو ما تعلمناه هنا”..