مقالات

د. عمر محمد الشريف يكتب: ما بعد سقوط كييف

 

 

بعد 10 أيام من الغزو الروسي لأوكرانيا، وفشل المفاوضات بين الجانبين حتى هذه اللحظة، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن العملية العسكرية تسير بدقة حسب الخطة الموضوعة لها، ونحو تحقيق أهدافها، مشدداً على أن بلاده تقاتل من سماهم “النازيين الجدد” من أجل إنقاذ الروس والأوكرانيين، معتبراً أن كلا الشعبين شعب واحد.

أهداف روسيا ومطالبها هي نزع سلاح أوكرانيا، وتعديل الدستور بما يضمن عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، حيث لا تقبل روسيا بأن تكون أوكرانيا موالية للغرب. وكذلك الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونتسك ولوغانسك، والاعتراف بشبة جزيرة القرم. ويربط بوتين الحرب الجارية بتنفيذ أوكرانيا للشروط الروسية، إن نفذتها تتوقف الحرب فوراً.

على الجانب الآخر يرفض الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي هذه المطالب، ويؤكد أن بلاده ستنتصر، ولن تهزم أمام الغزو الروسي، وحث مواطني بلاده على مواصلة القتال في مواجهة القوات الروسية، وحث دول الناتو على تقديم المزيد من المساعدات، وعدم الاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية لانها ليست كافية.

كما أعلن عن فتح باب التطوع للأجانب من خارج أوكرانيا من أجل التصدي للعدوان الروسي. ودعا زيلينسكي الأجانب المتطوعين إلى التوجه لسفارات بلاده في جميع أنحاء العالم للانضمام إلى لواء دولي للمساعدة في تحرير أوكرانيا.

وقد قوبلت هذه الدعوة بترحيب بريطاني، عبرت عنه وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، والتي دعمت هذه الدعوة بقوة، وقالت: “إن بريطانيا تدعم من يرغب في التوجه إلى أوكرانيا للانضمام إلى اللواء الدولي للقتال، وأن قرار التوجه للدفاع عن كييف والمشاركة في هذه المعركة التي تدور من أجل الديمقراطية متروك لمن يرغب”.

ومن هذا الترحاب تتضح الأهداف الاستراتيجية لبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ودول الناتو، وهي إطالة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وحصار روسيا اقتصاديًا، واستنزاف قدراتها، وإيقاعها فى المستنقع الأوكراني، على غرار المستنقع الأفغاني. وبالتالي تقليص نفوذها في آسيا وأفريقيا، وإجهاض صعودها كقوة كبرى على الصعيد العالمي. حتى لو كان ذلك على حساب آمن أوروبا، فلا أحد يعرف ماذا ينجم عن شوكة المقاتلين الأجانب التي ستقوى في أوكرانيا، وما قد يحدثونه من فوضى ستمتد إلى بقية أوروبا.

عسكريًا تتقدم القوات الروسية حالياً نحو العاصمة كييف من الشرق، وقد توغلت في المناطق الشمالية، والشمالية الشرقية للعاصمة كييف، في محاولة لتطويق العاصمة والاستيلاء عليها. كما تواصل هجومها على مدينة خاركيف أكبر مدينة في شرق أوكرانيا.

ويبدو أن الأسلحة الحديثة التي قدمها حلف الناتو لأوكرانيا، منعت التقدم السريع للقوات الروسية، فقد زود الغرب أوكرانيا بأسلحة دفاعية نوعية متطورة مثل الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات.

وفي الأيام القادمة ستتجه أنظار القوات الروسية نحو ميناء أوديسا في جنوب أوكرانيا، إذا تمكنت القوات الروسية من الاستيلاء على المدينة، ستحاول إنشاء جسر بري يمكن أن يربط مدينة أوديسا الساحلية، عبر خيرسون وماريوبول، بالأراضي الانفصالية الموالية لموسكو في الشرق.

بدأ الغرب حالياً في التفكير في مرحلة ما بعد سقوط كييف، حيث تم تداول أخبار أن الناتو سيدعم تشكيل حكومة أوكرانية بالمنفى يقودها الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكى في حال سقوط كييف، وأن الحكومة الجديدة سيكون مقرها في بولندا.

ويبدو أن بوتين سيستمر في عملياته العسكرية، حتى يطيح بالرئيس الأوكراني وحكومته، وهدفه استبدالهم بنظام موالي لروسيا، وسيسعى بوتين للسيطرة على كل الأراضي الأوكرانية إذا لم تنجح المقاومة الأوكرانية في توقف تقدم القوات الروسية.

ويحتمل انقسام أوكرانيا إلى دولتين، حيث يكون الشرق مواليًا لروسيا، والغرب بقيادة زيلينسكي موالياً لحلف الناتو، وهذا التقسيم شبيه بالتقسيم الجغرافي الذي حدث نهاية الحرب العالمية الثانية، وتقسيم ألمانيا إلى شرقية وغربية.

للشرق الأوكراني أهمية اقتصادية، حيث تتمركز صناعة أوكرانيا في الشرق. فتتم هناك جميع عمليات إنتاج الصلب تقريبًا، ومعظم تصنيع الأسلحة في المنطقة الشرقية، وتعد أوكرانيا حاليًا واحدة من أكبر المصدرين في العالم في كلا القطاعين.

كما توجد قطاعات صناعية أخرى في الشرق منها صناعات السيارات والطيران، وهذه المصانع تستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة، وبلا شك يمثل شرق أوكرانيا إضافة مهمة للاقتصاد الروسي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى