في الميزان.. مجالس الأخيار ومجالس الأشرار
قلم – حسن راسم
“حينما نتحدث عن هذا الموضوع فأننا نضعه في ميزان الشرع والعرف لما لهذا الموضوع من أثر في نفوس الناس، ولأن الأنسان كائن اجتماعي تجده دائما يتردد على مجالس يجتمع فيها الشباب والكبار وكل منهم مختلف ومتفاوت في الفهم والإدراك والنضج وعلى مستويات الموضوعات المختلفة منها الاجتماعية، الثقافية، الفكرية، العقدية، وللحاضرين في هذه المجالس نوايا وأهداف منها الحسنة ومنها السيئة فالحسنة هي من أجل المنفعة المعلوماتية أو من أجل تبادل الآراء البناءة والسليمة التي تصب في خدمة الناس جميعا أو تبادل وجهات النظر في شتى المسائل والمواضيع المختلفة، أو قد يكون الحضور نواياه سيئة وكل ذلك هو من أجل تداول المواضيع التافهة التي ليس لها أي منفعة او قيمة خلقية وسلوكية وإلى ما ذلك من المواضيع التي تدار في هذه المجالس المنوعة، والتي تنبع من المجتمع الذي يستوطن فيه هؤلاء الاشخاص وحسب البيئات التي يسكنون فيها.
ولهذه المجالس رؤساء ورواد قد يكونوا من صنف الأخيار وقد يكونوا من صنف الأشرار وكل منهم يحمل صفات وسجايا وافكار يحب ان يعمقها ويغرسها في نفوس وعقول الحاضرين وسأصنف بحول الحق كل صنف على حده.. وكالآتي:
مجالس الأخيار..
“قالوا ومازالوا يقولون بأن المجالس مدارس” وهذا القول ينطبق ويوصف على مجالس الأخيار والنبلاء وأهل المروءة والتقوى” إن هذه المجالس تجدها دائما تفوح بروائح الأخلاق الكريمة وبحلاوة الألسن وبثقافة الافكار البناءة والهادفة والتي تحاول أن ترسخ كل ما هو رصين ومتين من القيم والمبادئ في نفوس الأشخاص الذين يترددون الى هذه المجالس النيرة بأشخاصها وبمواضيعها الشيقة، والتي تحاول دائما ان تضف وتطبع كل العادات الرائعة والصفات الجميلة من الكرم والضيافة والصدق والمحبة والوفاء ونشر ثقافة حب مساعدة الآخرين وخدمتهم بكافة اشكال الخدمة.
حيث تجد الذي يترأس هذه المجالس شخصًا من اهل الحكمة وأهل الوعظ ولديه نضج فكري وتطور معرفي كبير يحاول دائما ان يستقطب الناس الجيدين منطلقا من مبدأ أن المجلس الذي يرتكز على تعاليم الرصانة الخلقية والمناعة الفكرية السليمة والعادات الحميدة .
ويكون هذا المجلس هو عبارة عن مجمع ثقافي شمولي متعدد المواضيع ومتعدد الرؤى والأهداف، وهذه المجالس لا يحضرها ولا يستسيغها الا الطبقات الثقافية التي تؤمن بروح العلم والمعرفة ، وأن الصبغة التي تطغى دائما على هذه المجالس الصبغة المعرفية الإسلامية التي بدورها تبني الانسان بناءً صحيحا وتقومه نحو طريق النجاح والفلاح ونحو طريق الخير وحب التعاون الجماعي وغيرها من الصفات التي دائما ترسخ كل معاني المثل العليا والأخوة الحقيقية بين نفوس وعقول الحاضرين في هذه المجالس الزكية”.
مجالس الأشرار..
“إن لهذه المجالس افواه نتنة لا يخرج منها إلا الدرن والامور السيئة التي نهينا عنها على المستوى الشرعي والمستوى الاجتماعي، إن هذه المجالس السيئة يمتاز اصحابها بكل الصفات الغير مألوفة والغير محببة بين الناس والتي يبغضها الله عز وجل وتمنعها تعاليم شريعتنا السمحاء من التكلم بالكلام البذيء والكلام الخاوي الذي لا تجد فيه أي منفعة اجتماعية هادفة أو نتاج فكري سليم أو هدف نبيل.
وتمتاز هذه المجالس بالقيل والقال، والكذب، والنميمة، والطعن في أعراض الآخرين بغير دليل واضح وإنما لافتراضات وأهواء يقذفها الشيطان في نفوسهم الخبيثة، وكثرة الاسئلة عن الناس من منظور الفضول والتجسس عن أخبارهم، وتجد بأن الذي يترأس هكذا مجالس هو شخص يمتاز بشخصية ممسوخة وهزيلة وتافهة وساذجة وغير نبيلة يعيش ويسعد على ما كل هو مستقذر من الاقوال والافعال والافكار الرديئة.
فهذه المجالس هي مجالس لتجمع شياطين الإنس الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف وما هؤلاء إلا في حضيض مستمر وفي سقوط إلى الأدنى فالأدنى على كافة المستويات الشرعية والاخلاقية والعُرفية ، ومجالسهم هي عبارة عن مستنقع آسن لا يحضره إلا الذباب الذي يعيش على القاذورات”.
في الختام..
“الناس نوعان، نحل وذباب، فالنحل لا يقع إلا على الرحيق ولا يعيش إلا في الحدائق التي تنتشر فيها المناظر الخلابة والروائح الزكية والورود البهية، والنوع الثاني وهو الذباب فهذا لا يقع إلا على الأماكن النتنة ولا يعيش إلا مع القاذورات؛ فهنيئًا وسرورا لمن عاش بعقلية النحل الممتعة دائما ، وتعسًا وخسارة لمن عاش بعقلية الذباب التي تكون مضنية دائمًا.
فالمجالس هي بوابات لفتح الاقفال وهذه الاقفال قد تكون خيرًا، وقد تكون شرًا، والكيس والعاقل هو من وظّف نفسه في عمل الخير، والتعيس والحزين هو من كان دأبه الشر والسوء، وبين الأثنين فرق كفرق السماء والأرض وكفرق الثلج والنار”.