الرجال الغاضبون
قلم / سلمى النجار
في أحد الأفلام البريطانية الدرامية الموسيقية المأخوذ من الرواية الفرنسية الرائعة لـ “فيكتورهوجو” ألا وهي “البؤساء les misrables” وُجد من ضمن أحداثه مجموعة من الشباب حثوا الشعب على إعلان حريته والتخلص من العبودية وصوّر الفيلم بشكل رائع حي الفقراء وحالتهم المزرية ورغبتهم في أن يُنظر لهم على كونهم من بني الإنسان وأبسط حقوقهم التحرر من اللاحياة تلك، ونعتهم بالرجال الغاضبين ، وثورتهم ليعرف كبار القوم بأن صغار اليوم لا يريدوا أن يكونوا عبيدًا.
“الخامس والعشرون من يناير” هو يوم الثورة لصغار اليوم المصريين.. جيل لم يكن يتوقع الجميع ما استطاع فعله، قيل عنه الآتي : لا يعي أي ثقافة سياسية مقارنة على الأقل بجيل ناصر الذي قام بثورة الثالث والعشرين من يوليو، ولكن هنا قام بها الضباط الأحرار وليس الشباب كثورة يناير، أخلاقه قد تكون منحدرة عما قبل، حالة من اليأس تحوم حوله، فراغ ومعاناة من البطالة، بُعدهم عن الدين، قلة الحيلة أساس سماتهم، سوء استخدام للإلكترونيات الحديثة، فشل أُسري وأغلبهم علمي، سلبيات تجعل نظرتك لهذا الجيل تقل وخصوصًا لدي الكبار المؤمنين بتفكير شباب الماضي ونضجهم ومدي وعيهم بكلمة ثورة وفعلها؛ لذلك لم يؤمنوا بالتغيير اعتقادًا منهم صعوبة الحث على الثورة والمطالبة بتحسن الأحوال ليست بالأمر الهين فلم يقدر عليها جيل العظماء من وجهه نظرهم، أيقدر عليها هذا الجيل الحانق على كل شيء بدون امتلاكه أي شيء يؤهله لذلك !
ولكن على الجانب الآخر.. طفل صغير عالمه يتطور بشكل سريع على الرغم من محاولاته البائسة لمواكبته، يلتحق بمدرسة لا يعلم مدى أهميتها، حبه أو كرهه لها ومع ذلك يحاول جاهدًا أن يجتهد مرورًا بجميع مراحل التعليم ولا يقتني سوي روايات جيب كفلاش وفطومة ورجل المستحيل كوسيلة بسيطة للتثقيف، ومن ثم تأتي المرحلة الجامعية بحماس مخادع لمن حوله ساترًا لما في نفسه من يأس، على أنه لن يكون أفضل ممن سبقوه ولكنه الأمل الممزوج بحكايات القلة الناجحة التي تحيطه إن كانت موجودة ويُعبّر عن حالته على مواقع التواصل الاجتماعي بشيء من السخرية والتظاهر بشخص عكس ما بداخله تجنبًا للنقاش والتدخل من الآخرين، ومن الممكن أن تجد بعضًا منهم في الصور التي التقطت من جنازة العرّاب (د . أحمد خالد توفيق “رحمه الله”) فهو شخص سجين أفكاره ويأسه لا منطلق لطموح ولا لحياة ؛ دقت ساعة الغضب بداخله، ما جدوى الحياة بلا هدف .. بلا حرية.
انطلق الشاب وأمثاله كرجال غاضبين لما يدور ببلدهم من فساد وبطالة وظلم وفقر، طبقًا لاتفاق محكم بينهم في الخامس والعشرين من يناير حتى أسقطوا النظام في جمعة الغضب دون مهابة النتيجة، وكانت المفاجأة للكبار الذين لم يتوقعوا كل تلك الشجاعة في صغار اليوم.
رحمة الله على الشهداء منهم وكما قيل بأن الحرية لا تُمنح بل تؤخذ بأعز التضحيات.
ستظل ذكري الثورة حدث جلل وفرحة عارمة لأطياف الشعب على إننا إذا أردنا نستطيع، فلقد أراد الشعب تحرير نفسه وحرره.
لا يصح ذكر الثورة بدون ذكر مقولات لأحد ثوارها.. تشي جيفارا : “أؤمن بأن النضال هو الحل الوحيد لأولئك الناس الذين يقاتلون لتحرير أنفسهم، الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن.. فلقد ناضل شعب من أجل فك سجنه والتخلص من عباءة فقره وجسده المريض بيأسه قبل مرضه الفعلي… فلقد حاول”.
إن إرادة الله مؤكدة في نجاح كل ثورة سواء أكانت ثورة يوليو بالرغم من تسرب أسماء العسكريين المسئولين عن تأسيس الضباط الأحرار إلا إن الله – سبحانه وتعالى – رحمته حلت بهم وأما ثورة يوليو إرادة الله كسبب أول والتخطيط والهدف كسبب ثان، وكأن الحرية رغبت بأن يتنفسها الشعب ولو مرة منذ أمد، وبإيمانه شاء القدر ولنشهد أمام الله وللأجيال التالية بأنها كانت ثورة منزهة، متحد فيها مسلم ومسيحي تحت رداء حب الوطن الأم، لا ينضم لأي من جماعات، لا يجمعهم سوى الطلب للتطلع لحياة أفضل ، أبطال حاولوا مهما عبثت بهم الأقدار.
ونختم بقول أبوالقاسم الشابي :
إذا الشعب يومًا أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر.