مقالات

هند هيكل تكتب : نوستالجيا بطعم الحنين

النوستالجيا أو الحنين إلى الماضي، حالة عاطفية نصنعها في إطارٍ معين وفي أوقات وأماكن معينة، يتم فيها استرجاع مشاعر ولحظات سعيدة من الذاكرة، وبنسبة 80% من الناس يشعرون بالنوستالجيا مرة على الأقل أسبوعياً! استعادة الذكريات أمر ليس بأيدينا بل بيد من داخل العقل والقلب يسحبك لبعيد إلى السنين الخوالي يجعلنا نبتسم ونتنهد الآه وربما بدمعة حنين، فكلما كان الحاضر بائس والمستقبل مظلم كما زاد حنينا للماضي والعكس صحيح، يقول هاروكي موراكامي: “نظرت إلى النافذة عبر الغيوم، مفكرًا في كل ما ضيعته في مجرى حياتي: أزمنة مضت إلى الأبد، أصدقاء ماتوا أو اختفوا، مشاعر لن أذوقها مرة أخرى!”..

الحنين إلى الماضي له أصل علمي، ففي عام 1948 اخترع الشاعر الإنجليزي “ويستن أودن” كلمة ‘توبوفيليا’ لوصف شعور الناس عند العودة إلى مكان مميز من ماضيهم، واليوم اكتشف العلماء ولأول مرة هذا الشعور “النوستالجي” في الدماغ باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، واثبتوا أن الحنين إلى الماضي، من خلال استرجاع ذكريات أوقات مميزة في حياتك، أمر مهم جدا للصحة العقلية للإنسان، ‏فلنكن كما قال محمود درويش: لا أحد يحن إلى جرحه، لا أحد يحن إلى وجع أو كابوس» فلماذا نحاول التغلب على الحنين للماضي؟ من هنا فقط تأتي خطورة الحنين، فطالما أنك لا تحن إلى وجع أو كابوس، أو إلى شيء يؤذيك، فمن المرجح أنك وصلت إلى لحظة أقرب للحياد عندها ستكون على منصة الانطلاق للبدايات!

الحنين للماضى هو استراحة من شقاء الحاضر، لتحسين الحالة المزاجية لنا ذكرياتً حفرناها داخل أعماقنا، وصورٌ حفظناها في عيوننا، حنين عظيم حبسناه داخلنا، ستبقى الذكريات بحلوها ومُرها وقود لنا، وتذكارً للماضي، ودروس للمستقبل يقول إبراهيم الكوني : “الحنين الخفي إلى الماضي أقوى وأشد”..

الحنين إلى الماضي هو هروب من الحاضر للبحث عن للحظات من السعادة نسرقها من رصيد الماضي، ليس بالحنين للأيام وذكرياتها فقط ، بل هو الحنين لأنفُسنا في تِلك الايام، فـأرواحنا تترك في بقايا منها في كل زمان ومكان مضت فيه ومضى، فكلما تقدم بِنا العمر يشُدّنا ‎الحنين للماضي، الشوق الذي يشعر به كل منا للماضي ؛ ليس لأن الحاضر أقل جمالاً أو سعادةً وإنما هو الحنين لروح الشباب، أجمل ما فيها الراحة النفسية، يقول هاروكي موراكامي : ” مهما كان فأنت لا تريد لتلك الذكريات أن تنمحي من ذاكرتك”..

‏ أكن للماضي مشاعر عظيمه، ‏‎سيبقى للماضى ذكرى توقظ الحنين بين حين وآخر، ويشتعل الشوق إلى حالة “النوستالجيا” حينما نصادف أو نتحدث إلى من كانوا أطرافا وشاهدي عيان على الماضي الجميل، وسرعان ما يتبادلان حوارا لا يخلو من كلمات “فاكر لما كنا..فينك وفين أيامك الحلوة طمني عليك..

“الحنين إلى الماضي جميل ومؤلم في نفس الوقت احباب رحلوا، بيوت قديمة تركناها، صور مع الأهل والأصدقاء، طقوس لم نعد نفعلها، أبسط الأشياء قد تُثير فينا حنيناً لأيام كانت الحياة فيها بسيطة، إجتماعية، صافية، بريئة، مليئة بالفرح أكثر، زمن لانستطيع إخراجه من ذاكرتنا نعود للوراء إلى أماكن لا تزال تحمل بصماتنا، أماكن لاتزال تتحرك داخلنا، نعيش معها الحنين للماضي، كل منا يراها أيامًا دافئة في عمق العلاقات بين الأهل والأصدقاء والجيران، كل منا عندما يرى من كانوا جزءًا من أيام طفولته وشبابه حتى ولو لم يكن يتفاعل معهم، لاشك يسعد بهم فجميعهم جزء من ماضيه الجميل، يقول جورج سانتايانا : “هؤلاء الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بإعادته”..

إن أنسب طريقة للتعامل مع “النوستالجيا” وجني فوائدها وتجنب عواقبها هي أن تتذكر ماضيك وتصنع حاضرك ومستقبلك، وتكون طرفًا فاعلا في مستقبل الآخرين، خلاصة القول أن الذكريات جميلة والماضي مبهج، ولكن الماضي لنتذكره وليس لنعيش فيه إلى الأبد لأنه انتهى!..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى