هند هيكل تكتب : النوموفوبيا.. مرض التليفون
أصبح الهاتف جزء من الإنسان، مثل عقله يعرف عنه أكثر مما يعرفه الآخرون، صورة، محادثاته الخاصة، معلوماته الشخصية، بيانات حساباته البنكية، متى وأين سيكون خلال أسبوع حسب جدوله، وأول شيء يسأل عنه عند وجوده في أى مكان هو ال wifi وتأثرت العلاقات الاجتماعية والعاطفية سلبًا، وأصبحت المتعة الوحيدة هي الجلوس مع الهاتف، وليس الجلوس مع من نحب، فقدنا الحديث الإنسانى الذي يعد أهم من الحديث الإفتراضي، وانعدم احترام التواجد الإنساني والإتصال البشري، وأصبح كل منا يعيش في عالمه الإفتراضي الخاص به..
إذا انتاب الإنسان شعور بالقلق والتوتر الزائد والعصبية عند ابتعاد هاتفه عنه، أو عدم القدرة على التوقف عن استخدامه، أو الخوف من نفاذ بطاريته وشحنه دائما لدرجة الهوس!!، أو القلق عند وجوده خارج نطاق تغطية الشبكة، أو حتى نسيانه في المنزل، أو التنقل به من غرفة إلى غرفة وعدم الاستغناء عنه حتى عند دخول الحمام، وعدم امتلاك القدرة على إطفاءه لدرجة منازعة النوم وتفقد الرسائل والاتصالات باستمرار خوفًا من تفويت أي رسالة، فأنت مريض بـ”النوموفوبيا” (Nomophobia) ، وهى اختصاراً لِـ (no-mobile-phone phobia)، ويقصد بها الخوف المرضي من فقد الهاتف، وهي أقرب للقلق منها للخوف..
النوموفوبيا يفقد الإنسان جزءاً مهماً من توازنه النفسي وأحياناً رضاه عن ذاته، ويرفع مستوى التبلد الذهني بسبب الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، كما يؤثر على الصحة الجسدية نتيجة الإجهاد التقني، والحالة المزاجية والذكاء العاطفى، والأهم أنه يمنعه من القيام بأنشطته الطبيعية أو أعماله المهمة أو مشاريعه التي تحتاج لمتابعة وتركيز وتكريس وقت، ”النوموفوبيا” مرتبطة نفسيا بما يسمى قلق الإنفصال(Fear of Separation)، حيث يشعر معها الشخص بأعراض الفوبيا المعتادة، وهذا الخوف ناتج من شعور الشخص بأن شيئا ما مهم قد فاته (fear of missing out (FoMo نتيجة لبعده عن التليفون، كمتابعة السوشيال ميديا، “متلازمة الاتصال الزائد”، يقول “بيكو لاير” في أحد مؤتمراته العالمية: “في عصر السرعة ما من شيء أكثر متعة من التحرك ببطء، وفي عصر الذهول ما من شيء أكثر فخامة من الانتباه، وفي عصر الحركة المستمرة ما من شيء أكثر استعجالاً من السكون”..
غالباً ترتبط النوموفوبيا بسمات نفسية ومخاوف أخرى، منها الانطواء، الإحباط، القلق الاجتماعي، الصدمة، العشوائية، الكفاءة الذاتية، وحسب أخر دراسة بريطانية هناك 77% من الإناث و65% من الذكور لديهم نوموفوبيا، كما يتم تفقد الموبايل وسطياً كل يوم 34 مرة، في حالة النوموفوبيا يتم تفقده 10 مرات كل ساعة، وبنسبة 61% من الأشخاص يتفقدون هواتفهم الذكية في أول لحظات الاستيقاظ، وبنسبة تصل إلى 75% من فئة الشباب يستخدمون هواتفهم في الحمّام، و27% من المستخدمين يتشوشون ذهنياً بسبب التواجد بعيداً عن هواتفهم لدقائق معدودة !
الانترنت والهواتف الذكية وسيلة عظيمة لا ينكرها أحد، ولن نستطيع اغتنام كل مزاياها الهائلة دون أية آثار جانبية، والمجتمع العلمي لا يملك حتى الآن وصفةً جاهزة للعلاج، في الحقيقة كل ما يقدمه مجموعة إرشادات ونصائح للحد من الآثار السلبية لهذه الفوبيا، لأن مريض التليفون هو الشخص الوحيد الذي يعرف مشكلته وعلاجه، وكيف يحد من الآثار السلبية لهذه الفوبيا، فكل إنسان له وضعه وطبيعته الخاصة، هناك من يكمن علاجه في التخلي عن استخدام التكنولوجيا الخاصة بشبكة الإنترنت والهواتف الذكية يومًا في الأسبوع، يعيش في هذا اليوم بدون توتر أو ضجيج أوصخب، مع وضع هاتفك بعيدا عنك أثناء النوم، وتعويد النفس على عدم استخدام الهاتف فور الإستيقاظ، مع وضع حدود للإرتباط بالهاتف أيا كانت الطريقة “تحديد وقت للجوال، الانخراط في علاقات اجتماعية حقيقية مقارنة بالعلاقات المقتصرة على السوشيال ميديا، تحميل الألعاب على الهاتف وحذف جميع برامج المحادثة، والتركيز على الحياة الواقعية والأسرية والتواصل الإنسانى بعيدآ عن الأجهزة والعودة للفطرة والنوم المبكر ومنع الإتصالات، وفي الحالات الشديدة من النوموفوبيا من المفيد استخدام بعض الأدوية التي تستخدم في علاج بعض الأمراض العصبية بدءًا من استخدام مضادات الاكتئاب بالجرعات المعتادة، إلى جانب العلاج السلوكي..