هند هيكل تكتب : عقول أضاعها ضيق الأفق..
الحزن والغضب هما المسببان الرئيسيان والمؤديان إلى ضيق الأفق، هناك من ذو آفاق واسعة يستطيع أن يتجاوب مع الحياه بأفكار تتسم بالتفائل والأمل والعطاء، وهناك من يعيش حبيس عقول لا تستطيع التأقلم أو الإبداع ولا تفقه فن الاتصال، فلا تكن ذا نظرة سطحية ضيقة الأفق، دائما ما ينصح علماء العلاقات الإنسانية أن يكون المرء منا واسع الأفق، منشرح الصدر، خاصة إذا أوقعته الظروف إلى أن يتعامل مع آخرين في مجال ما أو عدد من المجالات والأنشطة الحياتية المختلفة، لكي يعيش حياة هادئة ايجابية، لأننا إن قمنا بتضييق الآفاق وإغلاق الصدور ونحن نتعامل مع الآخرين، فإن مآلنا في نهاية الأمر أن ننعزل عن الناس، بل سيبدأ الناس قبل ذلك بالإنعزال عنا وتركنا وحدنا نسبح في عالم من الخيالات والرؤى الزائفة، يقول جورج إليوت: “العقل ضيق الأفق هو الذي لا يستطيع رؤية أمرٍ من زوايا مختلفة”..
إن الانسان ضيق الأفق يعيش بسبب ذلك في هم وغم بعيداً عن الأخرين وما ذلك إلا لعدم قدرته على إستيعاب الطرف الأخر والتعايش معه، إن من أسباب سوء الظن إن الانسان عندما يسئ الظن في البعيد والقريب هو بهذا العمل يفقد الجميع ويعيش ضغوطاً نفسية خطيره ربما أفقدته أعز الناس إليه ولو تروى ذلك الشخص وتمهل ووسع صدره وتحمل وتغاضى وتسامح لعود نفسه من خلال تلك الخلال إلى الأفق الأوسع والصدر الأرحب ولعاش هنيئا مطمئنا وكسب الاخرين، يقول أنطون تشيخوف: “إن سيطرة المنطق على العاطفة قد أصبحت ظاهرة في أوساطنا، إن الأحاسيس المُباشرة، الإلهام، والعفة كل شيء أصبحنا نُضّيق عليه الخناق بالتحليل ضيق الأفق، وحيثما توجد العقلانية، لا بد من وجود البرود، والأشخاص الباردون كما نعرف جميعًا لا يعرفون عن العفة شيئًا”..
حين تضيق الآفاق، لن نتقبل آراء الغير المخالفة لآرائنا، حتى لو كان بها نسبة ضئيلة من الصحة، فالإنسان ضيق الأفق يعتقد أن الرأي هو ما يذهب إليه، وغير ذلك من الآراء لا تستحق النظر اليها أو الاستماع لها، أما أن أستمعت إلى الآخرين، ولم تنفعل إن خالفوك الرأي، وقمت بالبحث عن الجزء الصائب في رأيه، وبدأت في المسيرة الايجابية، فلعل تلك النسبة الضئيلة من الصحة في رأي المخالف لك، تفتح لك آفاقاً لم تكن لتدركها لولاه، ولعل ذاك المخالف لك يفتح أيضاً بصيرتك قبل بصرك على أمور كنت غافلاً عنها لسنوات طوال، معتقداً أنك على صواب وصراط مستقيم، من أجمل مقولات الفيلسوف الصيني كونفوشيوس: “الرجل العظيم يكون مطمئناً ، متحرراً من القلق .. بينما الرجل ضيق الأفق فعادة ما يكون متوتراً”..
الحياة الآن أصبحت أكثرا تعقيدا وهناك إنفتاح على الثقافات الآخرى، وكل هذا يتطلب منا أفق أوسع ويحتاج كل منّا إلى تعلم فن الاتصال مع الآخرين والتعايش معهم وفهم نفسياتهم ومعرفة شخصياتهم، عندما نعلم جيدا أن الناس مختلفين في توجهاتهم ونظراتهم وعقولهم وثقافاتهم وأخلاقهم يخلق ذلك لدينا حسا نستطيع من خلاله التعايش مع الكل بسعة صدر وراحة بال..
لذا وحتى تنجح في حياتك، لا بد أن تستمع إلى الآخرين برحابة صدر، ولا تحاول أن تنتقدهم فيما يقولونه، بل بدلاً من إجهاد نفسك في البحث عن نقاط تنقدها في رأي مخالفك، ابحث عن نقاط الاتفاق أولاً وقبل كل شيء، فإنك إن فعلت ذلك أرحت نفسك من توترات وإجهادات أنت في غنى عنها، وحتى تنجح أيضاً وتعيش حياة هانئة هادئة خالية من التوتر والقلق والتربص بالآخرين، لا تحاول أن تعتقد بصواب رأيك دائماً معتمداً على سنوات عمرك وبعض مؤهلات علمية ودورات من هنا وهناك، بل عليك أن تعتبر نفسك دائما طالب علم تتعلم، إذ ليس عيباً أن تتعلم ممن يصغرك سناً ويقل عنك علماً وثقافة، والله عز وجل يضع سره وحكمته في أضعف خلقه في أحيان كثيرة، فلم لا نبصر ونتعظ من ذلك؟ ومن قال أني اعلم وأعرف، مكتفياً بما درس وتعلم في سنوات سابقة من عمره، فهو بذلك يعلنها صراحة وجهراً، أنه الجاهل بعينه..