هند هيكل تكتب: زمن الكلام وحب الظهور
اندمجت جميع الأعمار بجيل وسائل التواصل الاجتماعي، فعلت فعلتها وطبعت الجميع بطباعها، حب الظهور ومثاليات هوس الشهرة مرض إن أصاب الإنسان أفقده صوابه، ومبادئه، فهي تصنف ضمن العقد النفسية والسلوكية الاجتماعية، فالحياة اليومية مليئة بالكثير من الأشخاص المتعطشين للفت الانتباه وبعقدة حب الظهور سواء من خلال شكلهم الخارجي كلبسهم أو تعمدهم الظهور بقصات شعر غير مألوفة أو باختيارهم لبعض الألوان الصارخة أو اقتنائهم لكماليات باهظة الثمن رغم تواضع جيوبهم..
حب الظهور مرض يجعل الشخص يلاحق إعجاب الناس، والناس منشغلون بحياتهم، لا يدرون عنه شيء، ولا يشغلهم بشيء، يعود ذلك المرض إلى مركز المكافآت في مخ الإنسان، وهو المسؤول عن إفراز هرمون الدوبامين، فكلما زاد إفراز هذا الهرمون، زادت السعادة عند الشخص، والسبب الأساسي لزيادة إفراز هذا الهرمون هو تحدث الشخص عن حياته الخاصة وعن نفسه، فهناك هوس لدى غالبية الناس للحديث عن أنفسهم و حياتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي..
أحياناً ينشأ لدى الإنسان رغبة لإظهار ما عنده للناس، أثاث بيته، مركبته، أمواله، رحلاته، سفرياته، موائده، حفلة زواجه، حفلة عيد ميلاده، هداياه، هواتفه، ملابسه، مجوهراته، ولكن هذه الرغبة غير مشروعه، الله عزّ وجلّ وصف قارون بأنه خرج على قومه بزينته، فكم من حوار علمي أفسده حب الشهرة والظهور والتعالي على الآخرين، نصيحتي لك، “اهتم بما ينفعك ولا تلاحق سراباً، لأن “حُب الظهور يقصِم الظهور”..
هناك فرق بين من يُنير الطريق، وبين من يُغرق العالم في متاهات لا طائل منها سوى لفت الأنظار، وحُب الظهور مهما كان الثمن، يقول ابن خلدون: “إن حب الشهرة يشل حركة المجتمع الإيجابية، ليحولها إلى شكليات ومظاهر ومسرحيات، يخادع بها بعضهم بعضاً، فالشهرة حين تصير غاية في ذاتها، فمعنى ذلك تفشي الكذب والنفاق والخديعة والتصنُّع، وغياب القيم الحقيقية”..
أفضل ما يمكن أن نحافظ عليه في حياتنا أن نعمل عملاً خفياً لا يطّلع عليه إلا الله، أن نوجّه بوصلة قلوبنا لله مُتخفيين عنِ الأعيُن” ربّنا تقبل منّا”.. أن نرفع شعائر ديننا بنفس لا يُخالطها الرياء ولا حُب الظهور، وإن لم يكُن معنا سوى خبيئة صالحة في حياتنا فـ لنفعلها، فإنّها والله رافعه، عن قصة سيدنا موسى يقول الله فى كتابه {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} إخلاص وشهامة، وبعد عن حب الظهور، وترك لطلب المقابل، ومع ذلك جاءه الخير وهو في ظله: { إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا }..
فالعودة إلى الله ومحاولة تهذيب النفس بالعبادة والدعاء والصبر حتى بالنسبة للأشخاص الأسوياء تعتبر من العوامل الوقائية التي تحول دون وقوع الإنسان فريسة الأمراض النفسية والسلوكية فالصلاة والدعاء من الوسائل التي تبعث الأمل في النفس المريضة بحب الشهرة والظهور، وتوفر دعماً معنوياً لهم..