مقالات

محمد مهران يكتب .. هجرة العظمة لتحقيق المنشود

 نحن في موكب النور محمد – صلى الله عليه وسلم – صاحب الحبور الذي قال له ربه توجه أنّى شئت فإنك منصور … فالهجرة النبوية اعتقاد فكرة، وترسيخ مبدأ، ويقين مُستمد من الله الحق العلي الكبير..

نعيش مع نسيم من اللمحات النورانية التي تعكس جزء من أبعاد هذه الشخصية الكريمة الطاهرة – الذات المُحمدية – التي تدل من هذا الحدث الجلل الذي تعرض له من أجلنا نحن فبهجرته – صلي الله عليه وسلم – هجر لينشر دعوته التي اختصه الله بها، فهو النبي الخاتم ورأس الزاوية، والملك المتوج صاحب التاج والبراق، الذي يدل مراد الله الحق من الخلق.

 فكان لابد أن يُهاجر من أرض لا يوجد بها المناخ النقي على الرغم من فقه صناديد قريش لاعتقاد “لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله” ولكنهم لا يطيقون تكليفها، و لو وفقهم الله لذلك لسادوا برسول الله الدنيا وأخذوا نعيم الآخرة، لكن الهداية من عند الله وكره الله انبعاثهم فثبطهم.

هاجر المصطفي صلي الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد أسَر رسول الله صلي الله عليه وسلم هذا الأمر عن صاحبه حتى الساعات الأخيرة؛ كي يتم الأمر في كتمان وسرَية، وهذا أمرا يُؤخذ منه حُسن التدبير والتروي في الأمور وكتمانها لتحقيق الهدف علي أكمل وجه، ونام الإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – في فراش رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولم يجد في نفسه نزول أو خوف أو تردد في هذا.. بل كان على تمام الاستعداد أن يُقتل ويفدى رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وأيضا حتى يرد الإمام “علي” الأمانات التي كانت عند الصادق الأمين لأصحابها.

 وهنا نأخذ من هذه اللطيفة أن الإنسان الصادق الأمين لا يخلط بين الغث والسمين، ولا يستغل شيئًا ليس من حقه، بل يكون نزيهاً شريفاً واقفاً عند حدود الدين وحدود اللياقة والأعراف اللائقة عند الأقوام.

وننظر إلي اختيار الصاحب الرصين الذي أقر صحبته رب العباد في كلامه المنزل علي قلب نبيه المرسل .. قال الله تعالى ” إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”  (التوبة -40) … لذا على الإنسان أن يتخير الرفيق قبل الطريق.

 كما استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدليل على حذر وحتى ولو على غير دينه مادام الأمر على اتفاق مُحكم وعلي حيطة وهو “عبدالله بن أريقط ” وكان علي الوثنية مثل باقي صناديد كفار قريش، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج قبله حتى وصل إلى غار ثور ليُراقبه إذا كان سيأتي منفرداً أم معه قومه؛ فلما تبين لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وحده أكمل الطريق عبر الساحل، وهنا لنا نُقله جديدة.

 ونحن الآن في اتجاهنا إلي يثرب قديماً والمدينة المنورة، واستقرار أرض المُهاجر الذي تكلمت عنه التوراة من قبل في خروجه وهروبه من مكة المكرمة إلي بلاد تيماء وترحيب وتسبيح البرية وجبال “سالع” .. نحن الآن في جو روحي وناموس سماوي قدسي يربط موسي الكليم وأخيه عيسى روح الله وما بينهم من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام جميعاً وبين “النبي الخاتم الماحي الهادي العاقب أحمد في الإنجيل ومحمد في التوراة والزبور والقرآن”.

والذي ورد في السفر التوراتي الإصحاح الحادي والعشرين :وحي من جهة بلاد العرب في الوعر من بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء وافو الهارب بخبزه فإنهم من السيوف قد هربوا. قال لي السيد في سنة كسنة الأجير قد يفني مجد قيدار.”

 وهذا واضح تماماً من الكلام التوراتي من تيماء الددانيين فهم الذي شمال الحجاز، والأرض الوعرة هي جبال مكة، والوحي الذي لم يخرج إلا من بلاد العرب وهو الذي أنزله الله على النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – وهروب النبي وصاحبه من القتل وسنة الأجير التي تمت بالفعل وهي “غزوة بدر” التي قُتل فيها السادة والقادة من أبناء قيدار بن إسماعيل عليه السلام، فهم أحفاده الذين يعيشون في مكة وقتها وأتوا لمحاربة المسلمين في بدر الكبرى وقد انتصر المسلمين..

 لذا أقول أيها القارئ الكريم.. ربط بين مشكاة النور الإلهي بين أنبيائه ورسله وكم شدة تمسك الأنبياء لإنقاذ وإرشاد الإنسانية بعبادة الله وحده .. وأن دين الأنبياء دين واحد وهو الإسلام كما قال النجاشي : ما جاء به المسيح عليه السلام وما جاء به محمد يخرج من مشكاة واحدة ..

وكما نعلم أن الرسول الأعظم ماتت أمه السيدة “آمنه” وهو صغير في السن ولكن كان له حاضنة ومربية وهي “أم أيمن” التي ذاقت منه الحنان وشاهدت بركاته؛ فلم تستطع أن تتركه رغم كبر سنها، وبمجرد أن سمعت بهجرته- صل الله عليه وسلم –  إلا أن خرجت وراءه ماشيه علي قدميها حتى كادت أن تموت بالصحراء من شدة العطش؛ فجاءها المدد من الله إكراماً لنبيه – صلي الله عليه وسلم – فرأت دلواً يتدلى من السماء فشربت منه حتى ارتوت؛ فكانت كرامة لها بصدق نيتها، وإشارة أن من اتبع “محمد رسول الله” لا يُضام أبدا..

 ووصل سيد السادات واستقبله الأنصار “الأوس والخزرج” الذي أصلح بينهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من بعد قتل وتناحر، وهيأ الله سبحانه له المناخ الطيب النقي التقي الذي يقبل الفطرة السليمة والتوحيد لله عز وجل، وبني “محمد رسول الله” أول مسجد في الإسلام ..

وبدأت دولة التوحيد وربَى أصحابه حتى فتحوا الدنيا ونشروا الإسلام والسلام..  وكان من بينهم الصحابي الجليل “عمرو بن العاص” الذي فتح مصر التي نكتب الآن ونحن فيها وفى رحابها الطاهر..

فـ شكرًا لله ولرسول الله و جزاك الله عن الأمة خير الجزاء .. ورضي الله عن أصحابك وعن تابعيهم وعن آل بيتك ووفقنا الله لاتباع سنتك..

وأخيراً .. الهجرة يا ساده هجرةٌ من كل سقيم إلى كل سليم

 

                          وكل عام والأمة الإسلامية والعربية بخير

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى