محمد مهران يكتب.. ” تعرضوا لنفحات الله فكلٌ مُيسر لما خُلق له “
شهر رمضان المبارك هدية من رب السماء لأمة سيد ولد آدم محمد صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم.. فهو أعظم شهر لأعظم نبي ونزل فيه أعظم كتاب عن طريق أعظم ملاك في أعظم ليلة وهي ليلة القدر.
هنا نُعرّج سريعًا بيسير مما ورد في الكتاب والسُنه المطهرة .. وبعدها نتأمل بالإشارة التي تُغني عن العبارة في فهم الصالحين لمدخل واستقبال هذه الأيام والليالي المباركة المُفعمة بالتجليات والبركات والروحانيات الكفيلة بصناعة الإنسان وكأنه وُلد من جديد.
ألم يقل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها) فهنا الأيام لله وكل الأيام لله لكن بعين النبي صلي الله عليه وسلم نظرة أخرى نظرة إمداد ورحمة وإقبال من الله لعباده -تعالوا فليس لكم سواي فأنا خالقكم وأنا العليم بكم وأنا طبيبكم – وهو والله للمتبصر أقصر طريق للحياة الطيبة والحياة الآمنة.
أراد سبحانه أن نتعرف إليه وهو الودود و الغني أيضا عن خلقه لكنها مشيئة الرحمة وهدية الله لنبينا صلى الله عليه وسلم.. جعلتهم أمتك وسأكرمهم لأجلك فهو صلى الله عليه وسلم مُراد الإرادة.
قال الله جل جلاله: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ” من صام رمضان وقامه ، إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” رواه البخاري ومسلم .
شهر رمضان شهر الصيام.. والصيام ترك وكسر للعادات فهو تخلي والتخلية هنا ليس من باب العقوبة بل من العطاءات الربانية ..”تخلى لكي تتحلى”.
وأيضًا شهر تلاوة القرآن.. والقرآن هو الحبل الممدود من الله لنا فكلما تمسكنا به كنا في العناية والرعاية المشددة والمعية، فمن كان مع الله أُلقيت عليه مواد التوفيق والسداد وكل ما هو جميل وأخذ من النور سبحانه وتعالى لأنه متصل بكلام الله وشهر العتق والرحمة والمغفرة .. فهو شهر أعمال الخير كل حسب جهده وطاقته ولينفق كل ذي سعة من سعته فما بالك بإنفاق الله عليك.
كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة في العشر الأواخر من الشهر الفضيل.
لكن علينا أن ننظر ونتأمل في سلفنا الصالح وفي العارفين بالله كيف يتهيأ كل منهم باستقبال تلك المعاني حتي تسري فيهم وفيمن حولهم .. فهم عاشوا هذه الأيام كأن شهر رمضان المبارك شهر في ذاته فضل والعشر الاواخر من الشهر فضل آخر ولها خصيصة أخرى، فكان الإمام يحي بن كثير رحمه الله يوصي باستحضار النية ويقول “تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل”.
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله “إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك”
وقال عبدالله بن المبارك رحمه الله “رُب عمل صغير تعظمه النية ورُب عمل كبير تصغره النية”
فعلينا باستحضار النية وشحذ الهمة وترتيب الأفكار والتعلم كيفية الاستعداد القلبي والنفسي لنفحات الله المباركة الطاهرة.
قال الله في سورة القدر “ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) ”
نلاحظ من الآيات الكريمة أن الله القدوس سبحانه أهدانا تلك الليلة فمن قدسها جعل تنزل الملائكة الطاهرة المقدسة بل جعل على رأسهم عظيم الملائك وهو الروح وأمين السماء جبريل عليه السلام أيضا نلاحظ من أراد أن يتعرض للسلام النفسي والسلام في كل شيء عليه أن يتحرى الليلة المباركة، فهي سلام حتي مطلع الفجر، فإذا ادخلك الله في سلامه وبحبوحة رحمته وألقى عليك السلام كنت سالمًا من نفسك علي نفسك و لغيرك ولمجتمعك كافة، وكنت قريبا من رسول السلام صلى الله عليه وسلم.
علينا أيضا كما يقول الصالحين أن تجعل لك حالا مع الله..
قال غزوان رحمه الله” إني أصبت راحة قلبي في مجالسة من لديه حاجتي”
وقال حبيب أبومحمد رحمه الله “من لم تقر عينه بك فلا قرت عينه ومن لم يأنس بك فلا أنس ” فحالك مع الله من قراءة القرآن بورد محدود أكثر مما كان أول الشهر وذكر تسقيه لقلبك لعله يخرج شجرة مثمرة في أخلاقك وأفكارك وتصوراتك وتسامحك لخلق الله؛ فالله سبحانه لا يريد منك شيء بل يريد لك ولغيرك من خلقه الانسجام والهدوء النفسي المطمئن مع الجماد والحيوان والإنسان فالكل خلقه سبحانه وتعالي وهذا كله من ثمرات ذكره سبحانه وتعالى كما لا ننسي زكاة الفطر فهي طهرة للصائم .
ايضا قالوا الإكثار من الدعاء ومن آدابه أن يكون الداعي تائبا متطهرا متذللا مكثر من ذكر الله وأن يسأله بعزم ويقين ورغبة وثقة بأن الأمر يسير علي ربه ففي الدعاء الفرج والسعادة.. قال الإمام علي رضي الله عنه ” ارفعوا أفواج البلاء بالدعاء”
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه
“لا تعجزوا عن الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد “
هذا قليل من كثير في دأب الصالحين والمُتبصرين في آداب تلك الأيام المباركة..
وبعد هذا إذا حققت تلك الأعمال .. تجد عيد الفطر المبارك وكأن الله يكافئك بعيد في الدنيا قبل عيد الآخرة .
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
وكل عام والأمة الإسلامية بخير ومصرنا الحبيبة بخير