دنيا و دين

“حسدوني وباين في عينيهم”

قلم / د. شيرين جودة نصر

 

حسدوني وباين فى عينيهم                           من عطفك وحنانك لي

وعذابي فى هواك يرضيهم                            وياريتك بتعـــــذب فى

فى عام 1928 تغنى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بهذه الأغنية الجميلة ( حسدوني وباين فى عينيهم) من كلمات الشاعر أحمد عبد المجيد والحان الموسيقار محمد عبد الوهاب.

واليوم ونحن فى القرن الواحد والعشرين آن الأوان لأن نفتح ملف هذه القضية (قضية الحسد) لنتعرف على اسباب الحسد والغيرة والآثار السلبية لكل منهما لعلنا بذلك نسوق بعض العزاء لموسيقار الأجيال بمعرفة لماذا حسدوه.

فى البداية دعونا نتفق على ان الحسد والغيرة وجهان لعملة واحدة ، فالغيرة تعتبر من مشاعر الإنسان الغريزية التى تخلق داخله والتى يجاهد لإخفائها ما استطاع ولكنها ما تلبث ان تظهر فى سلوكه وانفعالاته.

أما الحسد فهو تمنى المرء امتلاك نعمة يملكها غيره ، وليس امتلاكها فقط بل امتلاكها وزوالها من الشخص الآخر والسبب فى ذلك هو شعور المرء بوجود فجوة تفصل بينه وبين الآخرين، وعليه فإنه إما أن يقلصها سواء بالارتقاء إليهم أو يتمني تدنيهم إليه ليكونوا متساوين فى نفس المستوى.

ولكن هل الغيرة كلها مشاعر سلبية أم أن بها جزءً إيجابياً بناءً ؟ للإجابة على هذا السؤال دعونا نتعرف على أنواع الغيرة ، فهناك ثلاثة أنواع من الغيرة وهى:

1-         الغيرة الاكتئابية : وهي الغيرة التي تظهر عندما يرى أحدهم أن نجاح الآخرين انما يدل على فشله هو او انه اقل منزلة منهم.

2-         الغيرة العدوانية: هذا النوع من الغيرة يترجم فى صورة غضب شديد، ورغبة في رؤية هؤلاء الناجحين وهم يفشلون.

 وبالتالي يشعر الشخص الغيور بهذا النوع بالسعادة اذا اصاب احد هؤلاء الناجحين مكروه سبب لهم فشل أو تعاسة لأنه بذلك سيشعر انه ليس الفاشل الوحيد.

3-         الغيرة الحميدة : أو ما يطلق عليها “الغبطة” ، وهذا النوع يعتبر نوع إيجابي لآن الشخص الغيور فى هذه الحالة يتعلم من الأشخاص الناجحين ويقدر انجازاتهم مما يدفعه الى تعلم اساليب النجاح التى حققها غيره ويطبقها ليجني النجاح هو الآخر.

 

كيف تؤثر الغيرة فى حياتنا ؟

 

بالتأكيد للغيرة تأثير قوى علينا سواء بالإيجاب أو السلب ، أما بالإيجاب فكما ذكرنا تؤدى الى التحفيز والاجتهاد ليصل المرء الى ما تصبو اليه نفسه ، وأما بالسلب فللأسف تقوده الى الاحباط والقلق والغضب فى احيان كثيرة. كم أنها تضعه فى دائرة مفرغة من الشعور بالفشل والمقارنة غير العادلة مع الآخرين وأحياناً يصل الأمر الى الشعور بضعف الإيمان والشكوى والتذمر وعدم الرضا بقضاء الله .

أسباب الغيرة والحسد :

للغيرة والحسد أسباب متعددة نوجز منها الآتي:

–           التنشئة غير السوية : والتى تظهر فى الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس مما يؤدى الى الشعور بالدونية واحتقار الذات والتقليل من قيمتها.

–           تدهور الجانب الفكري والعلمي لدى المرء مما يجعله بلا طموح أو هدف يسعى لتحقيقه.

–           ضعف الإيمان بالله عز وجل وشعوره بأن الله سبحانه وتعالى لم يعطه شيئاً وان رزقه قليل فى كل شيء .

–           عدم الشعور بالقناعة والرضا والتطلع الدائم الى ما فى يد الغير والاهتمام بالمظهر دون الجوهر .

كيف نتخلص من الغيرة والحسد:

يمكن التخلص من مشاعر الغيرة والحسد عن طريق الأساليب الآتية:

–           تهذيب النفس وتدريبها على الثقة  والاحترام والتفكير فى سلبيات الغيرة والحسد حتى تتجنب آثارهما المدمرة.

–           التفكير الدائم فى اسباب الشعور بالغيرة والحسد والنظر لما حبانا الله من نعم نتميز بها عن غيرنا.

–           استبدال مشاعر الغيرة والحسد بالثناء على الآخرين، والدعاء لهم بالبركة، وهذا من شأنه يولد الشعور بالراحة والسعادة.

–           عدم المقارنة مع الغير بشكل يشعر المرء بالفشل بل يجب عليه ان يحمد الله عز وجل على ما وهبه اياه  كذلك عليه ان يتوجه إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء الخالص للتخلص من كل المشاعر السلبية.

–           تعميق الشعور بأن نجاح الآخرين ليس معناه فشل المرء الغيور أو الحاسد بل هو مدعاة للاجتهاد والعمل.

–           مساعدة الاخرين لإدراك قيمة الذات، والتعرف على المشاعر الإيجابية في داخل المرء، مما يولد لديه شعورًا بالسعادة بدل المشاعر السلبية الأخرى.

كلمة أخيرة …

الحب من النعم العظيمة التي انعم الله بها علينا وقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف بأن نحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا فقال صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).  

 

                                                      

د/ شيرين جودة نصر

                                                            استشاري تنمية ذاتية وعلاقات أسرية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى