دنيا و دين

“الجريمة الكاملة”

قلم / د. شيرين جودة نصر

سنتحدث اليوم عن نوع من الجرائم يسمى الجريمة الكاملة، وسميت بهذا الاسم لأنها لا تترك أي أثر يدل على مرتكبها، والجريمة التي سنتكلم عنها هى جريمة قتل .. نعم جريمة قتل .. لكنها ليست كجرائم القتل التى اعتدنا ان نسمع عنها أو نقرأ تفاصيلها فى الصحف .

هى جريمة قتل يقوم بها ثلاثة من القتلة المحترفين الذين يرتكبون جريمتهم ويقتلون ضحاياهم دون نقطة دم واحدة لذلك يطلق عليهم ” القتلة الثلاثة”.

والمقصود بالقتلة الثلاثة هنا: اللوم .. والنقد .. والمقارنة

القاتل الأول : اللوم:

اللوم هو قاتل محترف يقتل ضحيته بدم بارد حتى يجعلها تتمنى الموت لتتخلص من سماع كلمات اللوم التى تحيط بها طوال الوقت. والسؤال هنا : ما هو اللوم؟

اللوم هو أنك تلوم شخص ما سواء كان مخطئاً في حقك أم لا وعندما تقوم بهذا الفعل فإنك تضعه في موقف الدفاع عن نفسه و تبرير أفعاله وقد يكون مخطئاً بالفعل وهو يعرف ولكنه سينطلق في التبرير والدفاع عن نفسه لأنه يرى أنك تهاجمه وبالتالي يرى نفسه ضحية لك ونفس الشيء ممكن أن يحدث معك.  

مثال على ذلك:

أب نجح ابنه فى الثانوية العامة وأصر الابن على الالتحاق بإحدى الكليات ذات التخصص الدقيق رغم اعتراض الأب ورغبته فى التحاق ابنه بكلية أخرى ، فى النهاية نزل الأب على رغبة الابن ووافق على التحاقه بالكلية التى يرغب فيها.

مرت سنوات الدراسة ونجح الابن وتخرج من كليته وبدأ رحلة البحث عن عمل. مرت الأيام والشهور والابن لا يجد عملاً يناسب مؤهله الجامعى فبدأ الأب فى لومه ليل نهار وأنه لولا اصراره على دخول هذه الكلية لوجد عملاً الآن وأنه سيظل هكذا بلا عمل وسيظل والده ينفق عليه و……. سيل من الهجوم واللوم على هذا الابن المسكين الذى كانت جريمته الوحيدة هى انه تمسك بحلمه وحقق رغبته فى الالتحاق بهذه الكلية والتى يعتبر مؤهلها قيماً جداً لكن للعمل فى أماكن معينه للأسف لم يستطع الالتحاق للعمل بها.

ولأن الابن كان مازال صغيراً فى السن وبلا خبرة لم يحاول أن يعمل فى وظيفة أخرى حتى يجد الوظيفة التى تتناسب مع مؤهله الدراسى لأنه كان يرغب فى العمل بمؤهله حتى يثبت لوالده أنه لم يكن مخطئاً فى اختياره. كذلك لأن الأب كان ساخطاً عليه طوال الوقت لم يتحدث معه فى هذا الشأن بل ظل يلومه على الالتحاق بهذه الكلية كلما رآه . والنتيجة …….

انطوى الابن على نفسه حتى بات يكره خروجه من غرفته أو بيته وزهد الأكل والشرب حتى هزل جسده وضعفت صحته إلى أن وسوس اليه شيطانه بفكرة الهروب ..

وليس المقصود بالهروب هو الهروب من البيت لكن الهروب من الحياة بأسرها ، ولا يعنى هذا الانتحار بقتل النفس وإزهاق الروح لا سمح الله لكن الانتحار النفسي ، فهرب الابن للأسف الى طريق الإدمان.

نعم .. أدمن الابن تعاطى المخدرات حتى يهرب من كلمات اللوم القاتلة التى كان يسمعها ليل نهار، وحتى يعيش فى عالم من الضياع كوسيلة لعقاب نفسه أو ربما لعقاب والده الذى جعله فى موضع المتهم الذى يحاول اثبات براءته من غير تهمة.

والسؤال هنا : هل كان الأب يرغب فى قتل ابنه بهذه الطريقة ؟

الإجابة : بالقطع لا .. فالأب كان يرغب فى رؤية ابنه ناجحاً مستقراً فى عمل يليق به لكنه للأسف اختار الأسلوب الخطأ فى التعامل مع ابنه.

لقد ظن الأب انه بهذه الطريقة يحفز ابنه للبحث اكثر عن عمل وعدم اليأس لكنه للأسف دمر نفسيته حتى دمر مستقبله وحياته.

وإلى اللقاء فى المقال القادم بإذن الله لنستكمل معاً حديثنا عن القتلة الثلاثة ….

                                                                             د/ شيرين جودة نصر

                                                                   استشاري تنمية ذاتية وعلاقات أسرية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى