رحلة البحث عن شريك…داخل العالم الافتراضى
السيدات يخطبن لأزواجهن.. والجميلات يبحثن عن الثراء
خبراء: تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع سقف الطموحات وراء ارتفاع نسبة العنوسة
دراسة: 8 مليون عانس في مصر و5 بالجزائر و4 بالمغرب ومليونين بتونس
مغامرة خاضتها : فاتن خطاب
ما أصعب أن تمر بك الأيام دون أن تجد شريك يتقاسم معك الحياة بكل ما تحتويه من مشاعر ومواقف وطموحات، فلا طعم لكل هذا دون أن تجد من يدعمك ويحتويك.
رحلة البحث عن الزوج أو الشريك حلم طالما راود الفتيات وخاصة في مصر التي ارتفع معدل العنوسة فيها إلى 40% بمقدار 8 مليون فتاة، طبقا لتقرير إذاعة هولندا والذي أوضح أن عدد العوانس فى الجزائربلغ أكثر من 5 مليون يليها المغرب بـ4 مليون ثم تونس بمليونين وفى ليبيا بـ300 ألف عانس، حيث تعد هذه الأرقام مرشحة للارتفاع بفعل تغير البنية الاجتماعية وارتفاع معدل الزواج والأزمة الاقتصادية التى تعيشها المنطقة العربية.
هذه الأرقام المفزعة دفعت الكثير من الفتيات للبحث عن شريك حياتها بأساليب غير تقليدية، ولا يمر الأمر كذلك دون أن يكون للانترنت دوره البارز في التدخل بتلك الأزمة، كونه أصبح الوسيلة الأكثر فاعلية في التواصل بين الأفراد وتقريب المسافات.
حاولت أن أخترق هذا العالم الإفتراضي وأخوض التجربة بنفسي لأستكشف حقيقة تلك الأموروكانت المفاجئة الأكبر أن ضمن من يرتادون ما سمي بمنتديات “الزواج”، أشخاص يمتلكون شبه آخر او شبه شريك!
نعم فمثلما ترضى الفتاة بأنصاف الحلول فإن الحاجة تدفعها للرضى بالشبه شريك, وهو شخص ما قد يكون خير جدا وطيب وجدير بأن نحبه، ولكن للأسف لا تشعر الفتاة بأنه يكملها وتسير بدرب الحياة تتألم به وله, وتجد نفسها فى منتصف الطريق بين دروب الحائرين تتسائل، هل تكمل الطريق أم تظل حافية على جسر من الأشواك .
كل هذه المشاعر المتناقضة بداخل من التقيت بهم على تلك المنتديات جعلتني أًصر على معرفة المزيد والخوض أكثر في معرفة خبايا هذه المنتديات.
منذ أن بدأت هذه المواقع في الظهور، أجمع الكثير على كونها طريقة جديدة للنصب على الفتيات وإيقاعهن فى شباك الرذيلة، وطالب الكثيرون بوضعها ضمن الجرائم الالكترونية, وأجمع الفقهاء على حرمتها، واحتشد الإعلام لنبذها واستتابت الشباب المراهق, حتى بدأت هذه المفاهيم تتغير بعض الشئ إلى أن أصبح هناك نوعان من المواقع أحدهم للدردشة والآخر لمن يرغبون فى الزواج بجدية، وما على الراغب إلا أن يعقد النية.
وقبل أن أحدد الموقع الذى أبدء منه تجربتى الشخصية قررت أولا أن أقوم بحصر لهذة المواقع وتجارب البعض فيها وهذا لم يكن بالشئ الصعب فالمواقع النسائية اصبحت مليئة بهذه التجارب لدرجة ان اغلبها أصبحت تضيف خانة “زواج” فى صفحتها الرئيسية كخدمة للعضوات حيث تقوم كل عضوة بنشر صورتها والبيانات الأساسية عنها لتقوم عضوه أخرى تبحث عن عروسة لشخص من أقاربها أو معارفها وترشيحها له بعد أن تتحدث لها ويتم الاتصال بينهم وما بعد ذلك فهو بيد الله!
وكان أغرب هذه التجارب بطلتها الأخت “ام فهد” التي كانت تبحث عن عروسة ….ليس لولدها “فهد “بل “لأبو فهد”!!..نعم ” لأبو فهد” تبحث لزوجها عن عروس شابه وجميلة وذات أصل بشرط أن تقبل الحياة معها و تعاملها بالحسنى هى واولادها ولا تقسو عليها أو على زوجها “أبوفهد” الثري الذي يشتهي النساء رغم بلوغه السبعون من عمره.
الأغرب من العرض هو وجود من قبلته بل وجود الكثيرات من الفتيات الصغيرات الراغبات فى تحقيق الثروة والحياة الرغدة وقام المزاد وارتفع سهم الاحلام بالفتيات كلا حسب جمالها، وزدادت الوعود “لام فهد ” ولم يرجعهن التعليقات التى وصفتهم بالبشاعة والطمع .
وعند انتقالي لاحد المواقع التى عرفت بالجدية لكونها تتقاضى مقابل التعارف بين من يحدث بينهم قبول مشترك عن طريق “الفيزا” أو كروت الشحن، وجدت شئ يجمع بين أغلب الأعضاء وهو الشعور القاتل بالوحدة فلم يختر أحد هذه الطريقة إلا يأسا من الطرق الأخرى، مبررا لنفسه صعوبة أن يظل وحيدا مقيدا بأغلال من العادات والتقاليد والحظر فى آن واحد فى حين ان الانترنت ليس أكثر من وسيلة للتعارف المبدئى، الذى ستأتى بعده الخطوات الطبيعية للزواج ومنها السؤال والتعارف على الاهل وفترة الخطوبة الكافية لتحديد انه على طريق الصواب .
وكان اكثر من فى الموقع من ناحية الاناث فتيات صغيرات يبحثن عن فرصة عمر للحياة الرغدة أكثر من البحث عن شريك للحياة وبنات فى متوسط العمر يخشين العنوسة على الرغم من أن أغلبهن من ذوات المراكز العلمية والمهنية إلا ان هذه المميزات تقلل كثيرا من نسب التوافق فى المحيط الواقعى كما ان بعضهن مطلقات لم يتزوجن لفترة كبيرة, و على مستوى الذكور لم أجد سوى نوعان عازب ليس لديه ام او اخت لتبحث له عن عروس وغالبا ما يكون يعمل خارج موطنه، و آخر متزوج ويبحث عن زواج آخر يحقق له المتعة التى عجز عن تحقيقها فى زواجه الأول، أو مغترب يبحث عن من تؤنس وحدته لعدم تمكنه من استقدام زوجته .
حينها استعادت ذاكرتى اغرب حفل خطوبة حضرته بحياتى فلقد دعيت من قبل مدرسة لى بالجامعة (حاصلة على درجة الماجستير فى الهندسة) على حفل خطوبتها لاجد شئ لم اره من قبل، “كوشة العروس” عباره عن كرسي واحد فى صالة أفراح يوجد بها شاشة كبيرة يظهر فيها شاب فى حفل وسط رفاقه، نعم هو العريس الذى يعمل طبيبا بالخارج، وقد تعرف على العروس عن طريق أخته التى تعمل معها وأكملا التعارف عن طريق الانترنت وتم الاتفاق على كل شئ ليعود العريس فى الصيف ليتزوج دون أن يشارك العروس في شراء المنزل أو الأثاث وخلافه ..،فأخته ستتولى معها كل شئ.
ولكن كانت المفاجئة الاكبر من هذا الحفل هى وجود نساء ورجال كبار فى السن مشتركين فى هذا الموقع, ارامل فى الحالة الاجتماعية اكملوا رسالتهم فى الحياة من تربية للاولاد ولكنهم تركوا للوحدة والوحشة التى تدفعهم لبحث عن ونيس وبالاصح صديق شرعى يكمل معهم ما تبقى من مشوار الحياة كم تأثرت بهذا النوع من الاشخاص الذى يتحول دون ارادته الى “ميت بين الاحياء”.
بدأت رحلتى فى الموقع وسجلت بيانتى الخاصة(المؤهل-المستوى الاجتماعى- المظهر………..الدخل) ثم ذكرت مواصفاتى ومواصفات شريك حياتى ,وبعد ان اكملت التسجيل عرض على الموقع بعض الاشخاص و اخترت البعض وكان اغلبهم يعملون بالخارج وبعض منهم مهندسين بترول، بالرغم من الوضع الاجتماعى والمادى المرتفع الا انهم لايجدون من يبحثون عنهم على حسب قولهم لاعدم وجود فرص لاختلاط فى مجال الدراسة ومن ثم فى مجال العمل وحصرت رؤية صورتى لمن هم فى قائمة قبولى.
وبعد مرور 24 ساعة حدث اول توافق وكان من المنتظر ان يبدا الشخص فى الحديث ولكنه لم يفعل فبدأت انا وارسلت احد الرسائل الجاهزة التى يوفرها الموقع وكانت (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فبدرنى بمثلها وازاد(هل يمكنك شراء نقاط الاتصال لنتواصل) فأجبت (نعم) فرد (هل يمكنك شراء نقاط الاتصال الخاصة بى ) فأنسحبت لاعود لحالة التوافق من جديد.
وبعد 24 ساعة اخرى وجدت عدد من الاشخاص يعرضهم على الموقع وبالفعل قمت بقبول احدهم وتم بينا التوافق وانتقلنا الى مرحلة الاتصال وهى خدمة سيئة فى الموقع على الرغم من انها مدفوعة الاجر فطالبته بأن نتقل بالحوار على موقع التوصل الاجتماعى “الفيس بوك”وحتى تكون من ناحية اخرى فرصة (لتأكد من بياناته وصوره) ولم نستمر كثير فقد كان يرغب فى التواصل الفوري عن طريق الاهل وانا لم احزم امرى بعد فأنسحبت فى هدوء واستمر الامر بين القبول والانسحاب……الى ان قررت الانسحاب من الموقع .
لم اجد الكثير فى تجاربى القصيرة لكى احكيها ولم تساعدنى تجارب الاخرين فى وضع النقاط على الحروف فى هذا العالم الافتراضى الملئ بشتى التناقضات ، فقررت ان ابحث عن رأي أهل الدين فى هذا فوجدت الكثير من الفتاوي المتشدة والبعض القليل المعتدل وكان ابرزها (أنه لا حرج في مواقع التعارف من أجل الزواج إذا كانت منضبطة بالضوابط الشرعية، وكان القائمون عليها موثوقين ويقومون بالرقابة عليه ومنع ما يمكن أن تكون فيه مخالفة لأحكام الشرع وآداب الدين،علما بأن الزواج من خلال التعارف عن طريق الأنترنت لا يخلو من مخاطر، لا سيما وأن الفتاة قد لا يكون بإمكانها التعرف على حقيقة صفات من يتقدم لخطبتها، وما إن كان صاحب دين وخلق، ومن هنا فالأولى البحث عن سبيل غير هذا السبيل، وإذا لم يكن من هذا السبيل بد فلتتحرى الفتاة فيمن ترغب فيه زوجا )
وتؤكد الدكتورة إنشاد عز الدين، أستاذ علم الاجتماع بآداب المنوفية ,على ان الزواج عن طريق النت لا يكون مكتمل الاركان وفى اغلب الاحيان تكون زيجات فاشلة لان التعارف عن قرب يكشف كذب الاطراف على بعضها البعض , وترى انشاد ان الزوجات اللائي يقمن بالخطبة لزواجهن يكون دافعهن إبعاد الزوج الذى غالبا ما يكون مسن حتى يسطيعوا ان يكملن المسيرة مع ابنائهن وهن واثقات من رجوعه مرة أخرى بعد ان يفقد بعض المال.
و تنصح إنشاد بالابتعاد عن هذا السبيل فى التعارف لأنه في الغالب يشوبه بعض عمليات النصب خاصة على السيدات الثريات من الارامل والمطلقات كونهن صيد سهل – حسب قولها .
وأشارت إلى أن سبب انتشار تلك المواقع هو ارتفاع نسبة العنوسة الفتيات، وتأخر سن الزواج لدى الرجال، بفعل تردي الأحوال الاقتصادية، وارتفاع الطموحات المعيشية.
وترى مروة حربى، الاستشارى الأسرى والتربوى أن الاختيار السليم يتطلب معرفة طموحات الطرف الآخر وأهدافه و تصوره لمفهوم الزواج، حالته الصحية، علاقته بأهله وأصدقائه، ومدى تدخل أهله فى حياته، هل لديه خطة للأسرة التى ينوى تكوينها مؤكدة ان عدم التوافق بين الطرفين فى هذه الاشياء يؤدى الى الكثير من المشاكل”.
ومع احترامنا لكل هذه الاراء والتجارب , الا ان كلا منا سيد تجربته .