ثقافه و سياحة

متحدثًا عن تجربته في المسرح ومُقدمًا نصائحه للشباب.. عصام السيد : لم أُخرج عرضًا واحدًا في مكان توليت إدارته

كتبت – هند هيكل

تبحر المخرج الكبير عصام السيد  وحكي عن تجربته المسرحية ، واستعرض مشواره المسرحي وشهادته الخاصة على تاريخ الفن المصري، وذلك ضمن سلسلة شهادات رواد المسرح بالمحور الفكري (١٥٠ سنة مسرح) بالمهرجان القومي للمسرح المصري الـ ١٣، تلك الجلسة التي حاوره خلالها الناقد محمد سمير الخطيب بحضور رئيس المهرجان الفنان القدير يوسف إسماعيل ، وانقسمت لعدة محاور بدأت بمرحلة دراسته الجامعية .

افتتح “الخطيب” الجلسة قائلا: عصام السيد رجل مسرح من الطراز الأول على مستوى القيادة ودعم الجيل الجديد وقدم الورش الفنية قبل أن تنتشر اليوم، فهو ليس مخرج بالمعنى التقني ولكنه مثقف، ويبدو هذا في كتاباته واهتمامه بالشعر وأعماله التي تعبر عن هموم المجتمع وتحمل وجهة نظر، كما تحمل طابع جيل الستينات وروحه القومية ، وتابع حين نتأمل اعمال “عصام السيد” نجدها مصرية خالصة، كما يعد من أعلام جيل السبعينات والثمانينات، مارس المسرح في جميع مؤسساته في مصر قطاع خاص وقطاع عام وجامعي، حتى بلغ رصيده المسرحي حوالي ٧٠ عرض، يظهر فيهم الاهتمام بالكيف وليس الكم، بالإضافة لرحلته الإدارية ١٠شهور في مسرح التليفزيون، و٤ سنوات في الثقافة الجماهيرية .

ثم بدأ “السيد” استعراض مشواره بداية من المرحلة الجامعية فقال: أنا خريج تربية عين شمس قسم انجليزي، ثم درست عدة مجالات منها دبلومة في علم النفس ولكني لم اتخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية، وهو ما تسبب لي في بعض العراقيل في بداية حياتي، وقمت بتعويضه بعدة طرق منها الدراسة في مجالات مختلفة.

كنت محظوظا بمعاصرة جيل من الطلبة المبدعين منهم الفخراني والفيشاوي ومحمود حميدة، واحمد عبد العزيز وسامي مغاوري ومحسن حلمي

متابعا: ولكني تربيت في المسرح الجامعي الذي كان له دائما دورا كبيرا في اكتشاف المواهب وتشكيل الوعي، كما كنت محظوظا بمعاصرة جيل  من الطلبة المبدعين صاروا نجوما فيما بعد منهم : يحيى الفخراني وأحمد راتب وفاروق الفيشاوي ومحمود حميدة ، واحمد عبد العزيز وسامي مغاوري ومحسن حلمي، كما عاصرت بزوغ تيارات أيديولوجية متنوعة في الجامعة، منها الماركسي والقومي وحتى الإسلامي، ما عرضنا للكثير من المعارك التي شكلت أفكارنا، ولا انسى من تلك الفترة أول نص أخرجته في الجامعة فكان تأليف محمود الطوخى وبطولة أحمد بدير، وعندما شاهده أحد النقاد قال هذا ليس مسرح وهاجمنا بشدة.

تعلمت المسرح على يد “حسن عبد السلام” وأرد جميله في تلاميذي حاليا

اعتبر “عصام السيد” المخرج “حسن عبد السلام” بمثابة الأب الروحي له، إذ يقول: “عملت مع مخرجين محترفين ولكن أكثر من أثر في الأستاذ حسن عبد السلام، الذي اعتبر نفسي تعلمت مسرح على يديه، فقد كان عظيم وعبقري على المستوى الفني والإنساني، ولذلك أسدد دينه وفضله علي من خلال الأجيال الجديدة، الذين أفتخر بهم كثيرا، كما أفتخر بنفسي أنني أكثر مخرج مسرحي له عدد كبير من التلاميذ الذين حققوا نجاحات كبيرة، فانا مؤمن بأنه لا مجال لتعطيل الأجيال الجديدة كما يحاول البعض “فخدها بجميلة وساعدهم”، ومن هذا المنطلق أطلقت جائزة باسمي في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي، والتي أقدم قيمتها من مالي الخاص.

أول عمل أخرجته جاء بالصدفة أثناء عملي كمساعد مخرج لحسن عبد السلام

مشيرا إلى أن أول عمل له كمخرج جاء بالصدفة في أثناء عمله كمساعد مخرج لحسن عبد السلام، إذ كان يجري الإعداد لعمل جديد بطولة النجم جورج سيدهم، ثم تحول النص إلى نصين، فاختار سيدهم أن يسند إليه أحدهم، ولهذا العرض فضل كبير حيث منعه من الهجرة كما كان يينوي، إذ أنه المخرج الوحيد الذي بدأ رحلته من القطاع الخاص، وعندما نجح توجه للعام .

أما عن توليه إدارة المسرح الكوميدي التي وصفها “سمير الخطيب” بأنها فترة  تحول فيها هذا المسرح لمركز إشعاع ثقافي متكامل، فعلق “السيد”:  توليت عام ١٩٩٥ المسرح الكوميدي وكانت فترة تفجيرات وإرهاب ورأيت انه لابد ان يكون لنا دور تنويري، فكان المسرح الكوميدي يقيم ندوات وأمسيات فنية وشعرية ومعارض تشكيلية ولم يحدث أن يمثل المسرح الكوميدي مصر رسميا في مهرجان دولي إلا  أثناء إدارتي بعرض “رصاصة في القلب”، كما شهدت أطول فترات عرض في تاريخيه منها عرض “البخيل” الاي استمر عرضها لعام كامل.

عادل إمام حضر أمسية عن النكتة السياسية في عهدي بالمسرح الكوميدي

مستكملا: كما كان المسرح مفتوح لكل الأجيال وكل الناس، وقدم مجموعة من مخرجين مختلف الأجيال أعمالهم على خشبته بينما لم أخرج عرضا واحدا في مكان توليت إدارته، ولكني أنتجت لسعد أردش وحماده شوشة ونهال كمال وخالد جلال وناصر عبد المنعم وعاصم نجاتي، كذلك شهدت تلك الفترة، صعود فرقة مستقلة على خشبة المسرح الحكومي للمرة الأولى، بالإضافة لأمسيات لا انساها كأمسية لسيد حجاب وأمسية النكتة السياسية لعادل حمودة وجمعة فرحات والتي شهدت بين حضورها عادل امام للمرة الأولى، كما نظمت ورش فنية في المسرح اوكانت فكرة الورش جديدة، إذ كان من مقدميها محمد عبد الهادي وكامل حلمي وهشام عطوة.

أشكر الدكتور أحمد مجاهد لأنه أعطاني كل الصلاحيات حينما توليت إدارة الثقافة الجماهيرية

وأضاف : عندما توليت رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة، فلم يكن همي المنتج الفني وإنما تعليم الناس وخلق ظهير شعبي مستنير، حتى انني كنت أرسل مدرب متخصص أكاديمي للمناطق النائية والحدودية ، ولا أطالبهم بإقامة عروض وإنما حث الناس على النقاش والتفكير، ولم يتعارض ذلك مع حصول فرق الهيئة على جوائز عديدة، وبالمثل كانت إدارتي للثقافة الجماهيرية التي اعتبر نفسي من أبناءها، انا ابن الثقافة الجماهيرية ولابد ان اشكر هنا احمد مجاهد الذي اعطاني كل الصلاحيات حينها، فأحضرت المتميزين، وناقشت مشاكلهم وقمت بحلها، أما فترة إدارتي لمسرح التلفزيون فهي تجربة مهمة لم تستمر إلا ١٠ أشهر، وقدمت خلالها 8عروض ما بين مسرح الطفل والمسرح الغنائي والعروض الموسيقية والراقصة والعروض الدرامية.

من جانب آخر انتقد “عصام السيد” عدم توثيق الجيل الأول من من مخرجي المسرح المصريين، فيقول: هذا الجيل مظلوم بداية بحسن عبد السلام، إذ أن الدراسات التي تكتب عن المخرجين قليلة ، فلا تكفي دراسة واحدة لسمير العصفوري ومثلها لفهمي الخولي ولسعد اردش ، وهذا ما دفعني للكتابة عن زملائي المخرجين ومنها تجربتي في توثيق تجربة المخرج أحمد اسماعيل في الثقافة الجماهيرية بإحدى القرى التي سافرت لها بنفسي، كما كتبت عن لينين الرملي وفهمي الخولي.

عندما أخرجت لفؤاد المهندس كان يختبرني في البروفات وكنت “اعمل نفسي مش واخد بالي “

أما عن علاقاته مع نجوم أعماله باعتباره أكثر المخرجين تعاملا مع كبار نجوم الفن في مصر فيقول: الفضل الأول للورق الجيد ثم ثقة الفنان في كمخرج، ومنهم من كانت تبدأ علاقتي به بمشاكل وخاصة في البروفات لأنني لا بد أن أكسر للنجم كليشيهات بداخله ، وهذا يتطلب مجهود فإذا لم يشعر الفنان أن الدور يضيف له فلن يستطيع الابداع فيه ، فمثلا لم يكن بتوقع أحد نجاح “أهلا يا بكوات” مع حسين فهمي ولكنها نجحت وعرضت سنوات طويلة، كذلك الأستاذ العظيم فؤاد المهندس الذي عرفني شخصيا وفنيا ووضعني في أكثر من اختبار خلال عملي معه في مسرحية “روحية اختطفت” وكنت “عامل نفسي مش واخد بالي” ، وفي لقاء تليفزيوني بعد العرض سمعته يقول “جابولي شاب مخرج صغير ولكني فوجئت انه اختراع”

وأضاف : عند إخراج أي عرض أذكر جيدا والشخصية في النص المسرحي هي التي تستدعي الممثل ولا اختار بالنجومية وقد أجلت عرض لعام كامل بعد تعرض الست امينة رزق لحادثة وهي أحد أبطاله لأني لم اجد غيرها يليق بالدور، وأتذكر خوفها لكون العرض سيعرض في قاعة وتمثل وسط الجمهور وجها لوجه عن قرب، إذ تم تحويل قاعة العرض لبيت ريفي وكان جلوس الجمهور من حولها.

وقدم المخرج عصام السيد عدة نصائح للمخرجين الشباب ومنها : ) الاطلاع على السابق، لأن الاجيال الجديدة لا تعرف عن الماضي وكلما جربوا شيئا اعتقدوا انه استحداث) ، و(  إياك أن تعطي النص للممثلين إلا عندما تنتهي من مذاكرته وتخيله كاملا، حتى تجيب على كل سؤال له بإجابات منطقي)و(  اعتمد في اختيارك للفريق عملك على الهارموني بين الفريق بجانب النواحي الفنية وملامح الشخصية) و( لا تتعرض لأي نص ذو امكانيات صعبة ماديا وبشريا، فأنا أكره المخرج الذي يتحايل على النص انتاجيا) ، ( ولا تخرج من أجل الإخراج وإنما حبا في النص )

لا توجد أزمة في المسرح المصري والأزمة الوحيدة في الميزانيات.. وحجم الإنتاج لا يكفي حجم الشعب المصري

وكشف عصام السيد عن مشاكل المسرح المصري حاليا فقال : ) لا توجد ازمة نصوص او مؤلفين او ممثلين او مخرجين وانما ازمة الميزانيات ، وحجم الانتاج لا يكفي حجم الشعب المصري، وكذلك عدد المسارح التي تفرض مدد عرض قليلة لعد شهور طويلة من البروفاتو غياب الدعاية، فمن اين اعرف عن العروض خاصة وان الميديا والصحافة تلهث خلف النجوم الكبار فقط ، كما أن غياب البعثات والمشاهدات وبالتالي لا نعرف مدى تطور غيرنا، ولا يكفي لهذه النقطة ما يتيححه  المهرجان التجريبي لأنه محدود النوعية، فاين الكلاسيكيات والفرق الكبرى عالميا، التعلم بالمشاهدة والممارسة والاحتكاك ومش لازم نعمل زيهم ، ولا يجب ان نخجل من طبيعة جمهورنا ونتهمه بالسطحية ، و لدينا حالة كسل، ونعاني من نقل الإخراج من النت.

وفي نهاية اللقاء تحدث رئيس المهرجان الفنان القدير يوسف إسماعيل عن عصام السيد قائلا : كنت من الجيل الذي يحمل مشروع ثقافي ووطني، ولم تعرف منطق السبوبة، وأتذكرك قبل كل عرض كيف كنت تتوتر ولا تنام، ولكن سؤالي هو؛ لماذا لم اراك يوما تمسك النسخة الورقية أثناء البروفات، وكأن النص كله في رأسك، وكيف كنت تحفظ النص بأرقام صفحاته؟

فقال عصام السيد : في البداية لم اكن كذلك، حتى وجدت الأمر يتسبب في مشاكل لأن الترتيب الحي على المسرح شأنا آخر ولا أحب أن أفرض على الممثل حركة وإنما اقنعه بمعناها فيحفظها جيدا، لانهم ليسوا قطع شطرنج وإنما بني ادمين، وهذا أيضا تعلمته من استاذ حسن عبد السلام، كما أنني لا أدخل بروفة إلا وقد تخيلت العرض كاملا محبوسا في ذهني فإذا خرج على الورق ذهب حماسي به، ولكل مخرج اسلوبه ولا يوجد طريقة أنجح أو أصح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى