يوسف اسماعيل رئيس القومي للمسرح يفتتح الملتقى الفكري ( 150 سنة مسرح )
كتبت – هند هيكل
عدسة/ اسلام فاروق
انطلق صباح اليوم الأربعاء، أولى جلسات المحاور الفكرية «150 سنة مسرح» والتي تقام ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح في دورته الـ13 «دورة الآباء» وذلك بحضور الفنان يوسف إسماعيل رئيس المهرجان، والناقد والشاعر جرجس شكري، والكاتب الكبير محمد أبو العلا السلاموني، والكاتب والناقد عبد الغني داوود ، والدكتور نبيل بهجت ، والدكتور عايدة علام، بحضور الدكتورة نجوى عانوس، وعدد من الأكاديميين والباحثين في مجال المسرح .
وتتضمن الجلسة الفكرية أربعة محاور نقاشية حيث تحدث الكاتب الكبير ابوالعلا السلاموني حول “الظواهر والأشكال المسرحية التي مهدت طريق الآباء ” ، والناقد الكبير عبدالغني داوود حول “الأساطير المؤسسة للحضارة الفرعونية والمسرح الطقوسي الفرعوني إيزيس وإزوريس نموذجا” ، والدكتور نبيل بهجت قدم ورقة بحثية بعنوان “الأراجوز وخيال الظل ..مسرح ما قبل المسرح”
بدأت الجلسة الافتتاحية بكلمة للفنان يوسف إسماعيل رئيس المهرجان والذي رحب بالضيوف، حيث أكد على أن الدورة الثالثة عشر هي الدورة الأهم في تاريخ المهرجان لأنها تأتي بالتزامن مع مرور 150عامًا على نشأة المسرح المصري المعاصر، وهناك مسرح ما قبل هذا التاريخ ولكنه لا ينطبق عليه شروط المسرح الأرسطي، ولهذا يُعامل على أنه أشكال فنية أو أشكال مسرحية، مؤكدًا على أن أهم ما في هذه الدورة هو المحور الفكري، والذي تقوم عليه لجنة علمية مهمة وعلى رأسها الكاتب الكبير محمد أبو العلا السلاموني ، وعضويتها للدكتور عمرو دوارة والدكتور حاتم حافظ ، والدكتور مصطفى سليم، والكاتبة عبلة الرويني، والناقد جرجس شكري وهو المسئول الأول عن المحاور الفكرية وتنظيمها بالاتفاق مع اللجنة العليا” .
وأوضح الناقد جرجس شكري إلى أنه في البداية فكرت اللجنة العليا الذي هو احد اعضائها أن تكون الدور ( 13) من المهرجان باسم يعقوب صنوع، هذا الرائد الذي مهد الطريق وتحمل عناء الريادة، ثم سافر بعد إغلاق مسرحه الذي لم يستمر سوى أربعة سنوات، لكنها تركت أثرًا عميقًا في فن المسرح المصري.
وتابع “شكري” : “أن الفكرة تطورت بعد ذلك لتصبح دورة الآباء الذين أسسوا ودافعوا عن فن المسرح في مصر، فلا يمكن إهمال عبدالله النديم الذي عاش تقريبًا نفس المرحلة وقدم مسرحه في الاسكندرية، والأجيال التالية مثل سلامة جاري وسيد درويش، وغيرهم الكثير، ووصولاً إلى توفيق الحكيم الذي صعد بالنص الأدبي من الكتاب إلى خشبة المسرح، ومحمد تيمور، حيث امتدت سنوات الريادة ليشارك فيها مجموعة من المسرحيين بدء من سبعينيات القرن التاسع عشر، لقد وجدنا أنفسنا أمام تاريخ طويل وحافل لا يمكن اختصاره في شخص رغم أهميته ودوره العظيم في الولادة الحديثة للمسرح المصري.
مستكملاً: “أن هذه الدورة التي نحتفل فيها بمرور 150 عام على ولادة المسرح المصري في العصر الحديث لا اظن أننا نبحث في التاريخ بقدر بحثنًا في المؤثرات والروافد التي كانولها تاثير وأثرت المسرح المصري المعاصر، منذ النشأة وحتى وقتنا هذا، ولذلك جاء المحور الفكري ليناقش هذه الظواهر وأيضًا اتجاهات المسرح المصري فجاء اليوم الاول لمناقشة الروافد التي مهدت طريق الرواد وعلى مدى أربعة أيام نناقش الأنماط التي لجأ إليها المسرح المصري كطريق للوصول إلى الجمهور وهي المسرح الشعبي، والمسرح الغنائي والكوميديا والميلودراما ، حتى نؤكد على الاستمرار والتواصل بين الأباء والأبناء والأحفاد.
تحدث الكاتب الكبير محمد أبو العلا السلاموني، عن المسرح منذ 150 عامًا حيث وصف تلك الفترة بأنها فترة الإحياء والتنوير والنهضة، حيث قال :” فإذا كانت أوروبا لديها عصر النهضة وكان لديها أباء لهذا العصر مثل مايكل أنجلوا ولانكي ودافنشي وميكافيلي وجاليليو، نحن أيضًا لدينا آباء لعصر النهضة المصرية، الذين ظهورا مع عصر محمد علي حينما قام بإرسال البعثات العلمية إلى الخارج ومن ضمنها الطهطاوي والذي يعتبر مثقف العصر الحديث، أو الأب الكبير وبشير التقدم مثلما قال نعمان عاشور، ثم صنوع بلعبته التيترية ثم عثمان جلال ومسرحياته المُمصره ، ثم النديم ولعبة الادباتي كل من هؤلاء أصحاب بصمة في العصر الحديث، هؤلاء كانوا الآباء لعصر النهضة والتنوير الذين كانوا في مصر منذ 150 عامًا” .
وتابع أبو العلا السلاموني:” أن موقف المسرح في تلك الفترة «عصر النهضة» قد اتجه إلى التراث الإغريقي، ووجد المسرح جاهز لديه، وهنا نواجه اشكالية مهمة لابد أن نتحدث عنها ألا وهي اختلاف ثقافتين موجودتين لدينا في مصر ، وهي ثقافة النخبة وثقافة الشعب ، فثقافة النخبة كانت قائمة على اللغة والقول، وكلها تعتمد على السمع؛ بينما ثقافة الشعب تعتمد على ثقافة الفرجة والتي تعتمد على الرؤية والسمع في الوقت ذاته، أما النخبة فكانت للأسف الشديد ترفض الفرجة وتعتبرها ابتزال ولا تحترمها ولا تعطيها أي اعتبار، ومن هنا لم يظهر المسرح بشكله المعروف، ولكننا عرفنا المسرح بشكله الشعبي، والذي يظهر في أشكاله الشعبية مثل الاراجوز وخيال الظل والسامر والمحبظتية وغيرها “، مشيرًا إلى أن الصراع الحقيقي في تراثنا وهو صراع بين ثقافتين هي ثقافة النخبة، وثقافة الشعب، وأن سبب عدم وجود المسرح واختفاءه هو ثقافة النخبة التي كانت لا تريد الفرجة وتحتقرها، وأن تاريخنا ملئي بالصراعات منذ الفتنة الكبرى، وحتى عصرنا الحالي”
وتحدث الناقد عبدالغني داوود، عن محور الأساطير المؤسسة للحضارة الفرعونية، والمسرح الطقوسي الفرعوني ، وقال عبدالغني داوود: إن الكاتب الراحل لويس عوض، أثار مناقشة لم تمتد طويلا، بعنوان “محاكمة إيزيس”، متابعًا “اتقال وقتها إن المسرح الفرعوني هو مسرح عروض، مش بيعملوا نصوص مسرحية، والكلام ده محدش اختلف معاه، فالحكاية ماتت في المناقشة”.
وأوضح “داود” أن هناك حوالي ٢٠ كاتب قاموا بالكتابة عن أسطورة إيزيس وأوزوريس، من بينهم توفيق الحكيم، وعلي أحمد باكثير، عبدالعزيز حمودة، محمد مهران، محمد نصر ياسين، محسن الخياط، أحمد توفيق.
وأضاف: “السؤال هنا هل المسرح الفرعوني اللي طالع من قلب الدين واللي كان مخصص جوه جدران المعابد، نعتبره تراث مصري ولا مجرد ظواهر مسرحية”.
واستكمل: “لدينا مسرح فرعوني، وإيزيس وأوزوريس هي من الأساطير المؤسسة، وليس هذا فحسب ولكن لدينا مجموعة ضخمة من الآلهة كلهم كانوا مشاركين في هذه العروض المسرحية”، وتابع: “الشعيرة الدينية ماتنفعش تبقى مسرح، والأساطير لا تصنع مسرحا، لأن الأسطورة من الشعيرة.
كما تحدث الدكتور نبيل بهجت أستاذ ورئيس قسم المسرح كلية الآداب جامعة حلوان عن “الأراجوز وخيال الظل – مسرح ما قبل المسرح” حيث قال :”عندما نتحدث عن تاريخ فن من الفنون فأننا نتحدث عن ذاكرة وطن ومحو جزء منه أو تجاهله يتنافى مع المصالح الوطنية فالتاريخ بتفاصيله هو وثيقة ملكية الأوطان وهذا التفاعل بين الزمان والمكان يخلق تلك الحكايات اليومية التي تصير بالتراكم ذاكرة نستعيدها لنقول كنا هنا”
وتابع بهجت :”لم يكن المسرح حدثًا وافدًا أو غريبًا على الثقافة المصرية والعربية فالمسرح المصري عمره من عمر الحضارة الفرعونية وهناك العديد من الشواهد التي تؤكد انتقال التراث الانساني الفرعوني لليونان وأن ما نراه ونسمعه اليوم عن الفلسفة والمسرح عند اليونان القديمة ما هو الا ثمرة التأثير القوي للحضارة الفرعونية كذلك كان لمصر السبق في احتضان فنون مسرحية كخيال الظل والأراجوز وجماعات التمثيل التلقائي ولقد وصف لنا عدد من المستشرقين تلك العروض كإدور وليم لين وبلزوني وغيرهم ويطل المسرح علينا بشكله الحديث متزامنا مع نشأة الفكر الوطني في النصف الثاني من القرن 19 مع بداية من 1870علي يد يعقوب صنوع ذلك المغامر الذي أحدث نقلة نوعية في الثقافة المصرية حيث أسس الصحافة الساخرة والمسرح والكاريكاتير والحوريات وترك اثرًا أمتد من بعده لنراه عند النديم في منهجه الثوري حيث اختار الصحافة والمسرح والعامية المصرية ليشكل الوعي الجمعي المصري وكذلك عند بديع خيري والذي أسس واحدة من أشهر الصحف الساخرة”
أما عن الأراجوز وخيال الظل فقد أوضح أن المسرح ليس المكان الوحيد الذي يحتفي بفعل العرض والفرجة ، وإنما ظهر أيضًا من خلال تشخيص الممثل أو الدمى ومن هذا المنطلق فالمسرح كان جزءا أصيلا من الفنون والحياة في مصر على مر العصور، حيث تشير المراجع إلى أن العرب عرفوا هذا الفن للمرة الأولى في العصر العباسي، وكان مجيئه إلى مصر في عصر الفاطميين في القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلادي، وهناك بعض الإشارات التي قد تدلنا إلي معرفة العرب بهذا الفن منذ زمن مبكر.
مشيرًا إلى أن الباحثين قد اختلفوا حول الموطن الأصلي لخيال الظل ، حيث يرى البعض أن الهند هي التربة الأولى التي نشأ فيها هذا الفن، إذ يؤكد أحمد تيمور هندية ذلك “يقال إن خيال الكل لعبة هندية قديمة، وأقدم ما وصل إليه علمنا عن اشتغال العربي بها كانت من ملاهي القصر بمصر خلال العصر الفاطمي، وكان لسلاطين مصر ولع بخيال الظل؛ حتى حمله السلطان شعبان معه عندما ذهب للحج عام 778.
كما تطرق بهجت خلال كلمته إلى وصف شكل مسرح خيال الظل ومكانه نشاته وأهم اللاعبين فيه كما أشارت كتب الباحثين والمؤرخين ووصف المصطلح والتعريفات العلمية له.
يذكر أن الملتقي الفكري للمهرجان القومي للمسرح في دورته الـ 13 «دورة الآباء يقام تحت عنوان “150 سنة مسرح” ويتضمن عدد من المحاور الفكرية والنقاشية وبمشاركة عدد من المسرحيين والاكاديمين، بالإضافة إلى شهادات من المسرحيين من أجيال مختلفة، ويقام المهرجان خلال الفترة من 20 ديسمبر وحتى 4 يناير 2021 برئاسة الفنان يوسف إسماعيل.