الأمين العام للأمم المتحدة أمام القمة العربية: لا يمكن قبول أي هجوم على رفح الفلسطينية
أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، اليوم الخميس، أنه لا يمكن قبول أي هجوم على رفح الفلسطينية والذي من شأنه إحداث موجة أخرى من الألم والبؤس بينما نحن في حاجة إلى موجة من المساعدات المنقذة للأرواح، وقال ” لقد حان الوقت لإعلان وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع أنحاء غزة ” .
جاء ذلك في كلمة جوتيريش خلال الجلسة الافتتاحية للدورة الثالثة والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة بالعاصمة البحرينية المنامة .
وأضاف” أننا نجتمع هنا وقلوبنا تنفطر لما يحدث للفلسطينيين في غزة، فالحرب في غزة جرحٌ مفتوحٌ قد يتسبب بعدوى في جسد المنطقة بأسرها”، مؤكدا أن هذا النزاع، بمعدّله وحجمه هو الأكثر فتكاً من بين كل ما شهدتُه من نزاعات كأمين عام – بالنسبة للمدنيين وعمال الإغاثة والصحفيين وزملائنا في الأمم المتحدة .
وجدد الدعوة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن .
وتابع أنه لا يمكن كذلك تبرير العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني، فالخسائر في صفوف المدنيين لا تزال تتصاعد وقد امّحت عائلات بأسرها عن بكرة أبيها ، وأصيب الأطفال بصدمات نفسية ولحق بهم أذى سيلازمهم مدى الحياة ، ويُحرم الناس من أبسط المقومات الأساسية للبقاء وثمة مجاعة تلوح في الأفق.
وأكد جوتيريش أن “الأونروا” لا تزال هي العمود الفقري لعملياتنا في غزة وشريان الحياة للاجئي فلسطين في مختلف أرجاء المنطقة ، وهي بحاجة إلى الدعم والتمويل الكاملين .
وأعرب جوتيريش عن انزعاجه لما يحدث من توترات في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، حيث تُشهد طفرات في إقامة المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، وعنف المستوطنين، والاستخدام المفرط للقوة من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي، وعمليات الهدم والإخلاء.
وقال “ما من وسيلة دائمة لإنهاء مسلسل العنف والاضطرابات سوى الحل القائم على وجود دولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، مع القدس عاصمة لكلتا الدولتين ، ويجب الحفاظ على الطابع الديمغرافي والتاريخي للقدس، ويجب الحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدّسة، تماشيا مع الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية “.
وأشار أمين عام الأمم المتحدة إلى أنه وُلد في لشبونة وهي مدينة كانت جزءا من الأندلس لقرون وفي ذلك الوقت كانت قرطبة مركز الثقافة والحضارة في شبه الجزيرة الأيبيرية، مثلما كانت بغداد مركز الثقافة والحضارة في العالم – وكانت آثارها ممتدة من حدود الصين إلى سواحل المحيط الأطلسي وقد تحرّكت عجلة التاريخ وعدة تحولات في الميادين الثقافية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والعسكرية غيرت العالم على حساب الشعب العربي واستُعمرت غالبية البلدان العربية.
وأضاف أن التحرر لم يأت إلا بعد عقود من النضال – وبعد حروب دموية في بعض الحالات، وحقب طويلة من الاستغلال في كثير منها – وبعد إرث خلّفه الاستعمار في شكل خطوط رُسمت على الرمل كحدود تعسّفية تفصل بين البلدان .
وتابع قائلا إن العالم اليوم يتغيّر من جديد، وإنني أرى في المنطقة العربية إمكانات هائلة في الموارد والثقافة والبشر ولكن ثمة شرطٌ أساسي وحيد للنجاح في عالم اليوم، ألا وهو الاتحاد ، مشيرا إلى أن التاريخ أظهر مرارا وتكرارا أن الانقسامات تفسح المجال لتدخل أطراف خارجية – مما يغذّي الصراعات ويؤجج التوترات الطائفية، ومن ثم يشعل فتيل الإرهاب ولو بغير قصد وهذه عقبات تحول دون تحقيق التنمية السلمية وتعيقكم عن ضمان رفاه شعوبكم.
وشدد على أن التغلب على هذه العقبات يتطلب كسر الحلقة المفرغة من الانقسام وتلاعب الأطراف الأجنبية – والمضي قدما معاً لبناء مستقبل أكثر سلما وازدهارا لشعوب المنطقة العربية وخارجها.
فيما يتعلق بالسودان، دعا جوتيريش المجتمع الدولي إلى ضرورة تكثيف جهوده من أجل إحلال السلام في السودان فيما دعا الأطراف المتحاربة إلى التوصل لاتفاق لوقف دائم لإطلاق النار ، وأن يُتْبَع ذلك بعملية سياسية تشمل المجموعات النسائية والشبابية.
وقال جوتيريش، في كلمته، “إن الحرب المدمرة جعلت نصف سكان البلد في حالة سقوط حرّ على مستوى الوضع الإنساني ، فبعد مرور عام ، قُتل آلاف الأشخاص وبات خطر المجاعة المفجع يحدق بـ 18 مليون شخص”، متعهدا بأن تقدّم الأمم المتحدة دعمها الكامل لهذا المسعى وحماية العملية السياسية الهشّة في كل من ليبيا واليمن.
وبالنسبة لسوريا، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنه كان شاهدا إبّان خدمته مفوضا ساميا لشؤون اللاجئين على ما يتّسم به الشعب السوري من كرم عظيم ويؤلمه أن يرى أجزاء كاملة من الأراضي السورية محتلة، حيث تتدخل أطراف فاعلة خارجية متعددة، داعيا جميع السوريين إلى العمل معا بروح تصالحية وإلى الاحتفاء بالتنوع الثري للشعب السوري واحترام حقوق الإنسان الواجبة للناس كافة.
وقال :”إننا نواجه أيضا أزمات عالمية طاحنة أخرى ، فهناك حالة الطوارئ المناخية وتزايد اللامساواة والفقر والجوع ومستويات المديونية المرتفعة والتكنولوجيات الجديدة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي التي تعجز ضوابط الحوكمة وضمانات الحماية عن مواكبتها”، داعيا إلى إصلاحات عميقة للنظام العالمي متعدد الأطراف – من مجلس الأمن إلى الهيكل المالي الدولي – لكي يصبح عالمي الطابع بحق ويكون ممثلا للواقع المعاش في هذا العصر.
وأضاف الأمين العام للأمم المتحدة “يمثل مؤتمر القمة المعني بالمستقبل الذي سيُعقد في سبتمبر المقبل بمدينة نيويورك ، فرصة ثمينة لتوليد زخم نحو إقامة نظام لتعددية الأطراف ، يكون أكثر اتساما بالترابط الشبكي والشمول ، إنني أتطلع قدما للترحيب بكم في هذا المؤتمر”.
وشدد على أن الوقت الراهن يتطلب موقفا عربيا موحدا وإسماع صوت المنطقة بمزيد من القوة والتأثير على الساحة العالمية، قائلا “يمكنكم التعويل على الأمم المتحدة وعليّ أنا شخصيا، لمدّكم بالدعم والشراكة”.