المؤشر العالمي للفتوى: اتجاهين متضادين للفتاوى والآراء العنصرية
أكد المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم أن الفتاوى والآراء العنصرية تتخذ اتجاهين متضادين، الأول تمثله فتاوى الجماعات المتطرفة والتنظيمات الدموية الساعية لنشر مخططاتها لنهب ثروات ومقدرات الدول والشعوب، والثاني الآراء والدعاوى المكرسة لظاهرة الإسلاموفوبيا ضد الجاليات المسلمة في الدول الغربية، وكلتا الظاهرتين تساهمان في زعزعة الأوطان والمجتمعات رغم اختلاف الغاية لكل منهما.
وأوضح مؤشر الفتوى – في تقرير اليوم بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على التمييز، الذي يوافق 21 مارس من كل عام – أنه بالرصد والتحليل لفتاوى العنصرية توصل إلى أن الفتاوى العنصرية تمثل (7%) من جملة الفتاوى المنشورة في العالم، استأثرت التنظيمات الإرهابية بأكثر من (80%) منها، وارتكزت على أساس المعتقد بنسبة (50%) ثم الجنس بنسبة (30%)، وأخيرا العرق بنسبة (20).
ورصد المؤشر العالمي للفتوى نماذج من فتاوى التمييز العنصري لدى جماعة الإخوان الإرهابية، والتي مثلت نحو (35 %) من إجمالي فتاوى الجماعة، مؤكدا أن الإخوان كعهدهم دائما لا يبغون إلا المصلحة الخاصة بهم بعيدا عن أي شيء آخر.
وفور الأحكام القضائية التي ألزمت بحبس بعض أعضاء الجماعة الإرهابية بمدد زمنية متفاوتة لارتكابهم جرائم تخص الأمن الوطني، زعم الداعية الإخواني عصام تليمة بأن الشريعة الإسلامية رخصت للإخوان المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة الإفطار في رمضان والقضاء بعده، وإن عجز عن ذلك فله الإطعام عن كل يوم مسكينا، على حد زعمه.
وأشار المؤشر إلى أن (75%) من فتاوى التمييز العنصري، التي توجهها التنظيمات الإرهابية لأتباعها ، تفرق بينهم على أساس “وظيفي”، وذلك نتيجة لحرص هذه التنظيمات على تحقيق الاستفادة القصوى من المنضمين لها ، لذا تجعل “الإرهابي” المستعد للتضحية بنفسه وأبنائه وأهله الأفضل بين عموم المسلمين، يليه المضحي بماله، وهكذا حتى تسلب هذه الأفضلية شيئا فشيئا، حتى يحصل على حكم “التكفير” من لا يتبع تعليماتهم الاجرامية.
بينما مثلت نسبة فتاوى التنظيمات الإرهابية التي تميز بين أتباعها على أساس الجنس (35%)، بتصنيف المرأة باعتبارها أقل في المرتبة من الرجل، والتي خرجت من تلك التنظيمات، ومنها فتوى داعشية جاء فيها: “الرجال قد فضلوا على النساء درجة، وهذه الدرجة فيها من رجاحة العقل والرصانة والحكمة والحلم والأناة والمروءة وسعة الصدر والصبر ما لا تملكه النساء فهن ناقصات العقل والدين”، على حد قولهم.
بينما أكد مؤشر الفتوى أن تمييز التنظيمات الإرهابية بين أتباعهم وما سواهم أمر محسوم بامتياز لصالح الأتباع; فالتنظيمات تعتبر أعضاءها أفضل ممن سواهم، سواء مسلمين أو غير مسلمين، فهم سواء وينطبق عليهم أحكام “التكفير” التي احتلت نسبة (85%) من فتاوى التنظيمات الإرهابية، على حد زعمهم ، ويحق في ذلك للمسلم الوحيد المقصود به عضو التنظيم سلب أرواحهم وأموالهم.
ومن أبرز هذه الفتاوى، فتوى للقيادي بتنظيم القاعدة الارهابي أبو قتادة الفلسطيني أباح فيها قتل وسفك الدماء، حيث قال: “كلما قتل المسلم من الكافرين باعد الله بينه وبين جهنم، والمسلمون هم قوم يتقربون إلى الله بذبح أعداء الله، فالذبح سجيتهم وبه يكون العالم سالما من المعاصي والذنوب إلا فيما قدر الله سبحانه وتعالى” على حد زعمه.
وأيضا فتوى تنظيم “داعش” الارهابي المحرضة على سلب أموال غير المسلمين: “المال إذا زالت عصمته بكفر المالك مثل مال الحربي جاز الاستيلاء عليه بكل الطرق الممكنة، ويجوز للمسلم أن يحتال في اختلاس الأموال من الكفار في ديارهم”.
وأشار المؤشر كذلك إلى الفتاوى العنصرية لتنظيم داعش في مجال العبادات، حيث قال التنظيم الإرهابي في فتاوى عدة “من لا ينتمي للتنظيم صيامه باطل، ومن لا يحب التنظيم لا يقبل صيامه”، على حد زعمه.
وقد فند المؤشر ما سبق بأن فريضة الصوم اختص الله سبحانه وتعالى بثوابها دون أحد سواه ، وأنه جل وعلا لم يعط صكا لأي من عباده في الحكم عليها، فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله عز وجل ذكر في حديثه القدسي : كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به”.
ومن جهة أخرى ، تناول المؤشر الإسلاموفوبيا ، وهي الوجه الآخر للعنصرية ضد الأقليات المسلمة في الغرب ، حيث كشف المؤشرعن تصاعد نبرة العداء ضد الأقليات المسلمة في الغرب، وهو ما عرف بظاهرة الإسلاموفوبيا، مستدلا على ذلك بأحدث الإصدارات التي رصدت أواخر عام 2019، والتي أكدت أن الإرهاب العنصري في بلدان أوروبا الغربية ازداد بنسبة (320%) خلال آخر خمس سنوات، حيث تشكل دور العبادة مثل المساجد والمراكز الإسلامية غالبا هدفا لليمينيين المتطرفين.
وأشار المؤشر إلى أن تلك الممارسات تباينت بين أعمال تمييز بنسبة (30%)، أو مشاريع قوانين تحد من الحريات الدينية بنسبة (25%)، أو اعتداءات لفظية أو جسدية على النساء المسلمات المحجبات (25%) أيضا، أو اعتداءات على رجال الدين ودور العبادة الخاصة بالمسلمين بنسبة (20%).
وقال المؤشر إن أبرز ملامح “الكراهية ضد الآخر” توجد في ألمانيا ، لافتا إلى أن الداعي إليها بشكل رئيس هو حزب “البديل لألمانيا” اليميني المتطرف ، حيث يرفع شعارات تحمل العنصرية البغيضة ضد المسلمين منها: “رفض أسلمة أوروبا” و”الإسلام لا يناسبنا”، والمطالبات المستمرة باستخدام اللغة الألمانية فقط في المساجد.
واستدل المؤشر بأن هذا الحزب اليميني يتذرع ببعض الفتاوى التي تتنافى مع طبيعة المجتمع الأوروبي لترسيخ ظاهرة الإسلاموفوبيا، ومن تلك الفتاوى فتوى تحريم أكل لحوم الخنزير وفتوى وجوب ارتداء الفتيات الصغيرات للحجاب … إلخ .
على حد زعمه. وفي فرنسا، أوضح المؤشر أن أجواء الكراهية ضد المسلمين تتجدد دائما، كالحملات المستمرة ضد المسلمات المحجبات، وأشار إلى دراسة حديثة أكدت أن (42%) من المسلمين الذين يعيشون في فرنسا تعرضوا لشكل واحد من التمييز المرتبط بديانتهم ، كما لفت المؤشر إلى أن أبرز الفتاوى التي تدعم ظاهرة الإسلاموفوبيا في فرنسا والتي طوعتها الأحزاب اليمينية المتطرفة هي فتاوى إخوانية بالأساس، منها فتاوى الإمام محمد تلاغي إمام مسجد الرحمة، والتي تحرض باستمرار على أعمال قتل وعنف ضد كل من لم يلتزم بالشريعة، وكانت نتيجة تلك الفتاوى إغلاق الشرطة الفرنسية المسجد بشكل نهائي.
أما في بريطانيا، فيشعر العديد من المسلمين بالتمييز والعنصرية، بسبب نشر عدد من السياسيين تعليقات عنصرية معادية للمسلمين، وكان نتيجة ذلك تعرض “رأفت مقلد” مؤذن مسجد لندن المركزي لحادث طعن عنصري أثناء أداء صلاة العصر بعد رفع الأذان.
وأكد المؤشر أن أعمال العنصرية وكراهية الإسلام في بلجيكا ازدادت خلال الأشهر الأخيرة، حيث مثلت العنصرية على أساس الدين (90 %) من الشكاوى التي تلقاها مركز منظمة تكافؤ الفرص ومكافحة العنصرية في بروكسل، وضحاياها معظمهم من المسلمين.
وكشف المؤشر العالمي للفتوى عن تصاعد وتيرة الإسلاموفوبيا وتعرض الحرية الدينية لضغوط كبيرة في هولندا بشكل كبير، حيث تعرضت المساجد للعديد من الأعمال العنصرية وصلت إلى 25 مرة هذا العام.
وأبرز المؤشر أيضا أن فتاوى الإخوان المسلمين في هولندا، لا سيما الصادرة عن “رابطة المجتمع المسلم”، كانت سببا مباشرا لارتفاع حدة كراهية المسلمين في هولندا، ومن أبرز تلك الفتاوى: تحريم الاندماج في أوروبا لاعتبارها مجتمعا فاسدا لا ينبغي الاندماج به ، واتهامها بأن دولها تحارب الإسلام، على حد زعمهم.
واختتم المؤشر العالمي للفتوى تقريره بالتأكيد على أن قضية التمييز من القضايا التي تقوض التنمية والاستقرار في المجتمعات; لأنها تنشر الكراهية والبغضاء بين أبناء المجتمع الواحد، وأنه رغم اختلاف وسائل التنظيمات المتطرفة ودعاة الإسلاموفوبيا في ترسيخ ثقافة الكراهية والعنصرية، فإنهما يتفقان في الهدف، فكلاهما خطر على أمن واستقرار المجتمعات.
وناشد مؤشر الفتوى الدول الغربية ضرورة تفعيل القانون ضد من ينشر الكراهية والتمييز في المجتمعات، وأن يتأسوا بتجارب الدول التي سنت قوانين ضد التطرف والإرهاب ، مشيدا بالتجربة المصرية في تفعيل القانون في مواجهة التطرف والإرهاب.