أكد وزير الخارجية سامح شكري أن ملكية إثيوبيا لسد النهضة لا تتيح لها التنصل عن التزام قانوني دخلت فيه بإرادتها ، كما أن ملكيتها للسد لا تجعل لها الإرادة المنفردة في التحكم في نهر النيل الذي هو شريان الحياة لمصر منذ فجر التاريخ.
وأضاف وزير الخارجية في حوار أجراه معه الليلة التليفزيون المصري خلال برنامج “التاسعة مساء” وأداره الإعلامي وائل الإبراشي إن على إثيوبيا أن تدرك أن نهر النيل هو نهر يعبر دول عديدة لها حقوق ومصالح مرتبطة بذلك ، ولا يمكن أن تكون ملكية إثيوبيا لسد النهضة مادية مؤثرة وخارقة لقواعد القانون الدولي.
وأكد شكري أن الاتفاق ، الذي بلورته الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي في واشنطن يومي 27 و28 فبراير الماضي ، هو اتفاق عادل ومتوازن ، وهو نتاج مشاركة الأطراف الثلاثة (مصر وإثيوبيا والسودان) في جولات المفاوضات التي رعتها الولايات المتحدة والبنك الدولي على مدى عدة شهور.
وأبدى وزير الخارجية استياءه لتغيب إثيوبيا عن الجولة الأخيرة من المفاوضات التي عقدت بواشنطن يومي 27 و28 فبراير ، مشيرا الى أن الاتفاق الذي تم بلورته في إجتماع واشنطن الأخير يتسق مع أحكام القانون الدولي ، وهو اتفاق عادل ومتوازن تم استخلاصه من واقع جولات المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا على مدار الأشهر الأربعة الماضية ويحقق ويراعي حقوق ومصالح الدول الثلاثة.
وأعرب شكري عن رفضه للبيان الصادر عن وزارتي الخارجية والمياه الإثيوبيتين بشأن جولة المفاوضات الأخيرة بواشنطن التي تغيبت عنها إثيوبيا ، مشيرا الى أن هذا البيان تضمن تنصلا من اثيوبيا لالتزاماتها بموجب قواعد القانون الدولي ، وبالأخص أحكام اتفاق إعلان المباديء الذي وقعته الدول الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا في العاصمة السودانية الخرطوم في 23 مارس عام 2015 ، ونص فى المادة الخامسة على ضرورة الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة قبل البدء فى الملء ، ويفرض علي أديس أبابا الالتزام باجراءات محددة لتأكيد عدم الإضرار بدول مصب نهر النيل.
وأضاف وزير الخارجية ” إن أخطر ما في البيان الإثيوبي الأخير هو الإيحاء أو التصريح الواضح بخرق إثيوبيا أو نيتها لخرق التزاماتها فيما يتعلق باتفاق اعلان المباديء الذي وقعت عليه ، وبالتالي فإنها ملتزمة من الناحية القانونية بأحكامه ، وأتصور أن أي قاريء لاتفاق المباديء يستطيع أن يستخلص بشكل واضح أن إثيوبيا قطعت على نفسها عدم البدء في ملء خزان سد النهضة أو التشغيل إلا بعد الاتفاق على القواعد الحاكمة لذلك مع مصر والسودان”.
وتابع ” ونؤكد على أن ملكية إثيوبيا للسد لا تتيح لها التنصل عن التزام قانوني دخلت فيه بإرادتها ، وإن ملكيتها للسد لا تجعل لها الإرادة المنفردة في التحكم في شريان الحياة ونهر يعبر دول عديدة لها حقوق ومصالح مرتبطة بذلك، ولا يمكن أن تكون ملكية إثيوبيا للسد مادية مؤثرة وخارقة لقواعد القانون الدولي”.
وأشار وزير الخارجية الى أن مصر وقعت في الجولة الأخيرة من المفاوضات بواشنطن ، والتي حضرتها السودان ، بالأحرف الأولى على الاتفاق الذي تم التوافق عليه برعاية أمريكية ، فيما تغيبت إثيوبيا ، موضحا أن الموقف الإثيوبي بالتغيب أعلن يوم 25 فبراير بعد أن تحرك الوفدان المصري والسوداني إلى الولايات المتحدة للمشاركة في هذه الجولة يومي 27 و28 فبراير.
وقال شكري ” كانت هناك رغبة من قبل الشريك الأمريكي والبنك الدولي في عدم اضاعة الفرصة التي توفرت في هذا الإجتماع لأن الأمور كلها كانت مكتملة ، وبالتالي تم تدقيق نص الاتفاق وادخال بعض التعديلات الطفيفة التي وجد الجانب الأمريكي والبنك الدولي أهمية التعامل معها من خلال رؤيته والتشاور باعتبار أنها الطرح العادل المنصف الذي يحقق كافة المصالح ، وبحيث يضع الاتفاق في مجمله في شكله النهائي ويكون قابلا للتوقيع”.
وأضاف ” إن عدم وجود إثيوبيا وإثارتها لأي مشاغل مرتبطة بأي مكون للاتفاق هو سلوك منها ينطوي على انتقاص للعملية التفاوضية، ولكن في نفس الوقت لا يجب أن تتعثر هذه العملية نظرا لإرادة منفردة تمتنع عن استمرار المسار ووضع الاتفاق”.
وتابع ” عندما رأينا أن الاتفاق يحقق المصلحة المائية المصرية ، وأنه اتفاق متوازن وعادل ومنصف وليس فيه أي افتئات على حقوق إثيوبيا كمالكة للسد، وأن حقوق مصر والسودان كدول المصب تعتمد على المياه لحياتها المعيشية والاقتصادية، بالتالي وقعنا عليه بالأحرف الأولى كدليل على الجدية ، وتقديرا للجهد الذي بذل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي لأنهم أخروجوا اتفاق بهذا القدر من التوازن والعدل”.
وأردف شكري ” لقد عبرت الولايات المتحدة عن تقديرها لاضطلاع مصر بهذه الخطوة كدليل على حسن نيتها وعلى نظرتها الشاملة لهذا الموضوع النابعة والحريصة على مصلحة الدول الثلاث : مصر والسودان واثيوبيا ، وتكريسا للتعاون على مستوى دول حوض النيل وعلى مستوى دول شرق أفريقيا ، والإمكانيات المتاحة من استغلال هذا الاتفاق في إرساء قواعد جديدة من التعاون والانفتاح السياسي فيما بين الدول الثلاث”.
وأكد وزير الخارجية أن حياة المواطن المصري وارتباطه بمياه النيل واعتماده عليه عبر آلاف السنين يجعل مشروع سد النهضة محل اهتمام له لأنه يعد أول مشروع ضخم يتم على مجرى النيل الأزرق وتأثيره على تدفق المياه إلى كل من مصر والسودان ، وقال “إنه من الطبيعي أن يكون موضوع سد النهضة محل اهتمام المواطن ، ومحل اهتمام الدولة المصرية بكافة أجهزتها ، وعلى رأسها القيادة السياسية الممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي واهتمام سيادته الشخصي بهذا الموضوع ومتابعته الحثيثة لكل مراحله”. وأضاف ” إن مصر أكدت منذ عام 2014 أن سياستها الخارجية مبنية على مباديء ليست انتهازية ولا تتآمر على أحد ، وإنما دائما تسعى الى التوافق والمشاركة والتعاون في إطار السعي لخلق أطر مفيدة بالنسبة للشعب المصري وشركائنا على المستوي الإقليمي وعلى المستوي الدولي ، ومن ثم فإن مصر تفهمت أن قضية سد النهضة تعتبر قضية هامة بالنسبة للشعب الإثيوبي مرتبطة بتحقيق معدلات تنمية مرتفعة وتوليد الكهرباء”.
وتناول وزير الخارجية مسار عملية التفاوض حول سد النهضة منذ بدايته بشيء من التفصيل فقال ” إن مصر ، ومن هذا المنطلق ، تفاعلت من أجل تحديد المصلحة المشتركة للدول الثلاث : مصر وإثيوبيا والسودان ، وكيفية ادارة هذا الموضوع بشكل يؤدي الى تحقيق المصلحة للأطراف الثلاثة بشكل متوازي ولا يفتئت على مصالح أي من الدول ، وقد حققنا الانجاز في اتفاق إعلان المبادىء في 23 مارس عام 2015 ، وما تضمنه من اعتراف مصر بحقوق إثيوبيا في التنمية واللجوء الى سد النهضة لتحقيق هذا الهدف ، واعتراف إثيوبيا بعدم الإضرار بمصلحة مصر المائية”.
وأضاف ” وسيرنا نحو ضرورة التوصل الى اتفاق فيما يتعلق بالسنوات الخاصة بملء خزان سد النهضة والقواعد التي تحكم تشغيله والظروف التي يجب فيها مراعاة الجفاف ، وبالأساس فإن هذه القضية مرتبطة بالرعاية والعناية الإلهية فيما يتعلق بكميات الأمطار التي تهطل على الهضبة الإثيوبية التي تغذي النيل الأزرق ، وبالتالي ليس كل الأمور تحت سيطرة الإنسان وإنما هناك ظروف لا بد خلالها من مجابهة حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات شحيحة الأمطار ، وتأثير ذلك على دول المصب ، باعتبار أن السد معني بتوليد الكهرباء وليس لاستخدامات المياه ، وتأثير الناتج عن السد هو تأثير في كميات المياه التي تتدفق منه من أجل توليد الكهرباء ، ومن أجل توفير احتياجات وحقوق كل من السودان ومصر في مياه نهر النيل”.
وتابع ” وانخرطنا في مسارات عديدة على المستوي الفني والوزاري ، وكانت هناك محاولات لطرح القضايا المختلفة المرتبطة بسد النهضة ، والوصول الى توافقات من منطلق المرونة والحلول الوسطى التي تراعي مصالح الدول الثلاثة بشكل متساو ، وكان دائما هدفنا هو تحقيق المصلحة ، وخلال الخمس سنوات الماضية حرصت مصر وأجهزتها على تزكية أهمية العلاقات التي تربطها بإثيوبيا”.
وأكد وزير الخارجية أن نهر النيل هو رباط يجمع بين الدول الثلاث ، ويجب أن ننظر اليه بأنه يفتح مجالات التعاون وتكثيف العلاقات بين دوله وتكريسها وتعزيزها ، وهذه العلاقات ممتدة لآلاف السنين ، ويجب أن نحرص عليها ونراعيها ، ونجد مجالات جديدة للتعاون تؤكد على الحرص المتبادل على خلق المصلحة المشتركة”.
وقال سامح شكري ” إن المفاوضات بين الدول الثلاث ، ومنذ اعلان اتفاق المباديء عام 2015 ، أدت الى تفاهمات كثيرة ، ولكنها لم تسفر عن اطار اتفاق قانوني بمواد محكمة إلا عندما لجأنا الى الوساطة الأمريكية بعد أن قبلت الولايات المتحدة أن ترعى هذه المفاوضات بالتعاون مع البنك الدولي ، وبدأت جولة المفاوضات على مدى الأشهر الأربع الماضية في واشنطن برعاية وزير الخزانة الأمريكي ورئيس البنك الدولي وفرقهم المعاونة ، وبدأنا نضع مواد الاتفاقية ، مواد محددة قانونية وفنية شارك فيها كل من الجانب السوداني والإثيوبي بوفود كبيرة تضم خبراء في كافة المجالات المرتبطة بالأنهار وتدفقات المياه والتعامل مع السدود ، بالاضافة الى فرق قانونية”.
وأضاف ” وتم البدء في تناول مواد محددة وتوصلنا من خلالها الى اتفاقات وتفاهمات وتوافقات على الغالبية العظمى منها، وحتى على الإطار الفني الذي هو حاكم لهذا الموضوع ، ولكن أتت إثيوبيا في الجولة قبل الأخيرة وتشككت في بعض ما كانت قد أخطرت بموافقتها عليه ، بينما كان هناك توافق على كل العناصر منها الاتفاق الفني المرتبط بسنوات ملء الخزان وبأي معدل ، وبالتأكيد كان هناك وعي تام بأن هذا الملء سوف يعرض خزان السد العالي الى الانتقاص لمعاونة الأشقاء في إثيوبيا لملء خزانهم”.
وعن ملء الخزان ومطالب إثيوبيا بهذا الشأن ، قال وزير الخارجية سامح شكري ” إن هذه قضية مهمه وليست القضية الجوهرية ، قضية الملء بكل الأمور المرتبطة بها وصلنا فيها الى اتفاق ولم ألمس من الجانب الإثيوبي اعتراض على ما تم التوافق عليه بشأن الملء ، بل بالعكس فقد أبدت مصر مرونة وقبلت جدول الملء الذي طرحته إثيوبيا ووجدت أنها تستطيع أن تتعامل معه في فكرة الملء الأول أن يستغرق عامين ، ثم بقية مراحل الملء تستغرق أربع سنوات وفقا لجدول محدد ، ولكن كان من الأهمية هنا أن ندخل القواعد المرتبطة بما اذا أتى جفاف خلال فترة الملء ، فكيف يؤثر هذا الجفاف على معدلات الملء”.