اقتصادمقالات

التحول الرقمي وصناعة التأمين في مصر

بات يفرض نفسه بقوة في الآونة الأخيرة ...ضرورة تطوير البنية التكنولوجية للشركات العاملة بالقطاع

كتب: مروة البرتقالي

أصبح التحول الرقمي يفرض نفسه بقوة على مختلف الصناعات والقطاعات التجارية حول العالم خاصة بعد وباء كورونا ،  وبات التحول الرقمي أكثر الحاجا واهمية عن ذي قبل  وقد سرعت «جائحة (كورونا) عملية التحول الرقمي لدى كثير من الشركات والدول.

فقد صاحب وباء كورونا تغييراً جذرياً في عادات السوق والإنتاج ومجمل التفاصيل المتعلقة به، واتخذ صناع السياسات في مختلف دول العالم في بداية الجائحة إجراءات طارئة لدعم الأنشطة الرقمية وتيسيرها، فعلى سبيل المثال قدم بنك كينيا المركزي إعفاءً من الرسوم وتوسع في حدود المعاملات منخفضة القيمة التي تتم باستخدام النقود الإلكترونية عبر الأجهزة المحمولة، وفي رواندا، تم التنازل عن كل الرسوم في شهر مارس. وفي نهاية إبريل 2020، زادت القيمة الأسبوعية لكل أنواع المعاملات القائمة على النقود الإلكترونية عبر الأجهزة المحمولة بنسبة 450 % مقارنةً بمستويات ما قبل الجائحة، وفي الصين، دخلت مجموعة شركات «انت غروب» في شراكة مع أكثر من 100 بنك لإطلاق مبادرة القروض غير التلامُسية لمساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على التعافي من جائحة كوفيد-19، وفي البرازيل، يعمل البنك المركزي على إطلاق نظام “بِكس” وهو نظام للدفع الفوري، وفي الهند، استحدثت شركة “ريسكافري” ، وهي شركة بادئة مقرها مومباي، وثيقة التأمين ضد فيروس كورونا لمؤسسات الأعمال التي ترغب في أن توفر لموظفيها خدمة العلاج في المستشفيات والتغطية التأمينية عند فقدان الأجور.

 

وعلى الصعيد الوطني فقد بلغ معدل الاستثمار الحكومي الموجه لقطاع التحول الرقمي في مصر إلى ما يقرب من 6.7٪ من إجمالي الاستثمارات في البلاد، ويتم توجيه النسبة الأكبر منه للبنية التحتية وتحسين الربط الشبكي الخاص بقطاع تكنولوجيا المعلومات في مصر, كما بلغ  معدل الاستثمار الأجنبي المباشر الموجه إلى هذا القطاع يصل إلى 3.7% من إجمالي الاستثمارات خلال العام المالي 2019/2020.

 

وتسعى الدولة المصرية إلى التوسع في تأسيس المراكز التكنولوجية لخدمة المواطنين لتسهيل تقديم الخدمات الحكومية للمواطنين في وقت أسرع، وقد أدت الجائحة إلى تكثيف جهود الدولة لتطبيق التحول الرقمي في مختلف المجالات.

 

وما يدل على الاهتمام الكبير التي توليه الدولة نحو الاتجاه نحو التحول الرقمي ما شهدته  البلاد في الآونة الأخيرة في هذا الصدد مثل إطلاق منصة مصر الرقمية، والتي تستهدف ميكنة دورات وقواعد العمل، وإنشاء قواعد البيانات والربط البيني مع جهات الدولة، والتوسع في تقديم الخدمات الحكومية الرقمية، وقد تمكن هذا المشروع الرقمي  في عام 2020 من إضافة 72 خدمة على مرحلتين، ويستهدف إضافة 210 خدمات جديدة في عام 2021 بينها خدمات للشركات والمنشآت الاقتصادية، كما تستهدف في عام 2022 إضافة 170 خدمة جديدة، ثم 98 خدمة في 2023، ليصل إجمالي الخدمات التي تقدمها المنصة إلى 550 خدمة.

 

بالإضافة إلى ما سبق، تم البدء في تنفيذ مشروع ربط جميع المباني الحكومية البالغ عددها نحو 31500 مبنى حكومي على مستوى الجمهورية بشبكة الألياف الضوئية خلال 24 شهرًا، وبتكلفة تصل إلى 6 مليارات جنيه؛ حيث تم ربط أكثر من 13 ألف مبنى، إلى جانب اتخاذ عدة إجراءات، منها ربط أكثر من 75 قاعدة بيانات حكومية ببعضها، لمعالجة الازدواجية فى قواعد البيانات، وتطبيق منظومة التحول الرقمي بـ«محافظة بورسعيد» كمرحلة أولى من خلال إطلاق أكثر من 150 خدمة رقمية، لتكون أول نموذج يتم تكراره في باقي المحافظات.

 

وما يدل على هذه الجهود في عمليات التحول الرقمي والرقمنة  ما أصدرته مجموعة أكسفورد للأعمال بالتعاون مع الهيئة العامة للرقابة المالية، تقريرا جديدا حول الاستجابة لجائحة كورونا (كوفيد- 19)، حيث تناول خطط مصر لترسيخ التحول الرقمي ضمن جهودها لدفع النمو في مرحلة ما بعد الجائحة في قطاع الخدمات المالية وتعزيز الشمول المالي،  وسلط التقرير الضوء على قطاع التكنولوجيا المالية في مصر، والذي شهد توسعات مكنته ليحتل مكانة ريادية على الصعيد الإقليمي فيما يستعد للعب دور محوري في زيادة معدلات انتشار الخدمات المصرفية ودعم محاولات أوسع لإضفاء الطابع الرسمي على الاقتصاد.

 

وإذا اتينا إلى التحول الرقمي في صناعة التأمين فقد كانت شركات التأمين من أوائل الشركات التي بدأت في استخدام التقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي لأتمتة العمليات المتكررة ، وتحسين تحليل المخاطر ، وتحسين تفاعل العملاء، وظهور مصطلح تكنولوجيا التأمين أو  “InsurTech”، ويشير المصطلح إلى التقنيات المبتكرة والأدوات الرقمية الجديدة التي تم تطويرها لتحسين أداء شركات التأمين ، لتقديم تجربة أفضل للعملاء ، وإطلاق العنان لإمكانات التحليلات المتقدمة. بمعنى أكثر تحديدًا ، يعني تعريف InsurTech الجمع بين التأمين والتكنولوجيا لتقديم حلول لتغيير قواعد اللعبة في الأعمال التجارية.

 

وقد شهد التحول الرقمي بشركات التأمين في مختلف دول العالم دفعة نمو إيجابية نتيجةً لتفشي وباء كورونا ، وبات الارتقاء بالخدمات الرقمية واستخدام البيانات أمراً أساسياً ، وما ساعد على ذلك وجود رغبة ملحوظة من العملاء في إجراء المزيد من معاملات التأمين الخاصة بهم عبر الإنترنت، وذلك كتأثير مباشر للتحولات التي فرضها انتشار الوباء.

 

ويرى الخبراء أن صناعة التأمين دائماً ما تتكيف مع أي تحديات بداً من القروض البحرية التي انتشرت في العهد اليوناني القديم، والإجراءات الفعالة التي نجمت عن حريق لندن الكبير، وصولاً إلى الاستخدام الجماعي للسيارات، حيث كان هناك عامل مشترك واحد صمدت فيه صناعة التأمين أمام اختبار الزمن ألا وهو قدرة الصناعة على التكيّف، ومع التقدم التكنولوجي، فمن المحتمل أن تشهد زيادة اعتماد صناعة التأمين للمجالات التكنولوجية الحديثة مثل روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي الأكثر ذكاءً، والاستجابة والتواصل عبر تطبيق واتس آب، وآليات الرد الصوتي التفاعلي، والاتصالات الهاتفية السحابية. ومع مرور الوقت، يمكن اعتماد بوابات الخدمة الذاتية بانتظام لدفع أقساط التأمين والمطالبات ومتطلبات العملاء الرئيسة الأخرى وفقاً لمتطلبات الصناعة وبما يتناسب مع احتياجات وتفضيلات العملاء أنفسهم.

 

وعلى صعيد قطاع التأمين في مصر فقد بدأت هذه الجهود مبكرًا قبل وباء كورونا بسنوات، فقد بدأ سوق التأمين المصري بالفعل في اتخاذ خطوات فعالة نحو التحول الرقمي في صناعة التأمين وذلك من خلال التعاون والتنسيق الدائم بين الاتحاد المصري للتأمين والهيئة العامة للرقابة المالية، وقد كلل هذا التعاون بصدور عدة قرارات للهيئة العامة للرقابة المالية منها قرار رقم (122) لسنة 2015 بشأن تنظيم إصدار وتوزيع شركات التأمين لبعض وثائق التأمين النمطية إلكترونياً من خلال شبكات نظم المعلومات، وكذلك قرار رقم (729) لسنة 2016 بشأن الضوابط التكنولوجية وقواعد تأمين المعلومات المرتبطة بإصدار وتوزيع شركات التأمين لبعض وثائق التأمين النمطية الكترونياً من خلال شبكات نظم المعلومات، وقرار رقم (730) لسنة 2016 بشأن الضوابط التنفيذية لوثائق التأمين النمطية الممكن إصدارها وتوزيعها الكترونياً من خلال شبكات نظم المعلومات وفقاً لأخر تعديل، مع قرار رقم (902) لسنة 2016 بشأن تعريف التأمين متناهي الصغر والضوابط التنفيذية لإصدار وتوزيع وثائقه الكترونياً من خلال شبكة نظم المعلومات، ومن خلال تلك القرارات تم السماح بالإصدار الإلكتروني لوثائق التأمين الإجباري للسيارات وتأمينات الحياة المؤقت، وكذلك تأمينات السفر، والتأمين متناهي الصغر.

 

وقد بدأت شركات التأمين في البحث عن آليات التحول الرقمي في كافة التعاملات مع أطراف المنظومة من العملاء والوسطاء، بما يتماشى مع الاستراتيجية العامة للدولة التي تتبناها الحكومة لدعم إتاحة الخدمات للمواطنين والمؤسسات بطرق سريعة وبسيطة والتحول إلى المجتمع اللانقدي.

 

وقد اتجهت شركات التأمين في السوق المصري إلى مواكبة التغيرات التي طرأت على المجتمع والنشاط الاقتصادي بعد انتشار وباء كورونا، وازداد الابتكار في نشاط التأمين والتحول الرقمي وتكنولوجيا التأمين لده هذه الشركات، خاصة أن مصر بها عدد سكان كبير ومعظمه من الشباب، وهناك  هناك نحو 40 مليون مواطن مصري يستخدمون الانترنت بهدف التسوق، منهم نسبة 35% يحققون عمليات شراء فعلية، ويقضى المصريون 7 ساعات و20 دقيقة على الإنترنت يوميا.

 

وقد  زاد التواصل مع العملاء أونلاين وعبر الهاتف في ظل زيادة استخدام العملاء لتلك الوسائل، كما  تغيرت سلوكيات العملاء وطرق تفكيرهم نتيجة للوباء في ظل بحث العملاء عن الأمان المالي والرضا الوظيفي.

 

يمكن القول أن شركات التأمين المصرية أصبحت في تنافس فيما بينها في كيفية استخدام التحول الرقمي واستغلاله  ادواته بشكل جيد  لجذب مزيد من العملاء لتحجز لها نصيب من سوق التأمين.

 

وقد أشار الاتحاد المصري للتأمين نشرته الأسبوعية الصادرة في 1 أغسطس 2021  ، أن الفرصة سانحة لنجاح شركات التأمين من خلال ثلاثة مجالات رئيسية في صناعة التأمين على الحياة منها  إضفاء الطابع الشخصي على كل جانب من جوانب تجربة العميل  مشيرا إلى أن  حيث تأثير التحول الرقمي الذي حدث في جميع الصناعات أدى إلى رفع مستوى التأمين أيضًا، فهناك مجالات كثيرة تحرص على تقديم خدمات مخصصة تتلاءم مع احتياجات كل عميل حرصا على تعزيز العلاقة بعملائها.

 

ختاما يجب على الشركات العاملة في سوق التأمين المصري الاهتمام بمنظومة التحول الرقمي بشكل كبير من خلال الاطلاع بشكل مستمر على كل ما هو جديد بمجال التكنولوجيا والتحول الرقمي، والعمل على ابتكار وسائل جديدة إلكترونية للتواصل مع العملاء ، وان تقوم جميع شركات التأمين العاملة في السوق المصري بتطوير بنيتها التكنولوجية؛ وذلك في إطار مواكبة خطة التحول الرقمي للدولة، فالتحول الرقمي هو الاستراتيجية التي يجب أن يسعى لها سوق التأمين في المرحلة المقبلة سواء كانت شركات تأمين أو وسطاء التأمين من أجل خدمة العميل، وتوفير الوقت، وتقديم خدمة أفضل.

رئيس قسم تعويضات السيارات بشركة مصر للتأمين التكافلي

عضو معهد شارتيرد للتأمين بلندن

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى