تقرير : مروة البرتقالي
شمل تأثير جائحة كورونا جميع اقتصاديات العالم المختلفة، الدول المتقدمة ,والنامية على حد سواء, ولكن كانت أكثر إيلاما على الدول الأقل نموا, وهو ما دفع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في أبريل2020 إلى تعليق مدفوعات خدمة الديون المستحقة على أشد البلدان فقراً لتمكينها من التركيز على مكافحة الجائحة, وقد مكَّنت مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين هذه البلدان من توفير مليارات الدولارات من أجل استجابتها في مواجهة الجائحة، فوفقا لتقارير البنك الدولي بحلول أوائل أبريل/من العام الماضي ، كان نحو 150 بلدا قد أغلقت جميع المدارس، وفرضت إلغاء التجمعات والفعاليات، وأغلق أكثر من 80 بلدا كل أماكن العمل لاحتواء تفشي الفيروس. وفُرِضت قيود على السفر على نطاق واسع. وأثَّرت الإغلاقات الإلزامية إلى جانب التباعد الاجتماعي التلقائي من جانب المستهلكين والمنتجين تأثيرا كبيرا على النشاط والتجارة في العالم، وصاحبتها تقلبات في الأسواق المالية، وتراجعات حادة لأسعار النفط والمعادن الصناعية.
وما يدل على التأثير السلبي للجائحة وبالأخص على دول العام النامي تصريحات «صندوق النقد الدولي» إن الدول النامية تواجه خطر العودة إلى الخلف لمدة عشر سنوات على الأقل، فقد تسبب انتشار فيروس كورونا ساهم في إصابة الاقتصاد العالمي بالشلل، حيث عرقلة الإنتاج والإمداد والنقل الجوي عبر العالم، وإضعاف الطلب العالمي، وعزل دولا ووضعها تحت الحجر الصحي، وأخرى تحت حظر التجول والطيران، وإصابة قطاعات المال والطيران والنقل والسياحة بخسائر فادحة.
إن الاضطراب الاقتصادي المفاجئ الذي تسببت فيه الجائحة أثر بشكل كبير على العديد من القطاعات، ومنها مجال التأمين في مختلف دول العالم نظرا لتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية على اختلافها، واعتماد قطاع التأمين في نشاطها على الحركة الاقتصادية، وبالتالي تتأثر إيرادات شركات التأمين من توقف عجلة الاقتصاد وانخفاض أسعار النفط وتراجع مؤشرات البورصات العالمية والمحلية.
فشركات التأمين وقدرتها على تحمل تأثيرات الجائحة السلبية تختلف وفقًا لقدرات هذه الشركات والتي تتباين من شركة لأخرى، استنادا إلى ما تملكه من قدرات مالية واحتياطيات فنية لمواجهة هذه الخسائر، وما يمكن أن يقدم إليها من دعم وتحفيز من قبل دولها.
وقد تأثرت شركات التأمين في مختلف دول العالم بسبب الجائحة , فعلى سبيل المثال صرح رئيس رابطة شركات التأمين البريطانية، هو إيفانز، في بيان له في شهر فبراير 2021، إن الجائحة كان لها “تأثير غير مسبوق”، وقد تكبد القطاع نحو 2.5 مليار جنيه إسترليني (3.5 مليار دولار) مقابل تعويضات العملاء جراء الفيروس.
ووفقا لتقرير مجموعة أليانز للتأمين عن صناعة التأمين العالمية في 2020 فقد سجلت أوروبا الغربية أكبر انخفاض في أقساط التأمين على مستوى العالم في عام 2020 ، حيث انخفضت بنسبة 5.1٪، بينما تمكن نشاط العقارات للتو من الاحتفاظ بنمو (+ 0.5٪) ، وانخفضت إيرادات تأمينات الحياة بنسبة 7.8٪، وبلغ إجمالي دخل الأقساط 1062 مليار يورو ، بانخفاض أقل بقليل من 60 مليار يورو عن العام السابق, وتوقع التقرير أن يكون التعافي في أوروبا أبطأ مما هو عليه في بقية العالم، بينما من المتوقع أن يعود مستوى الأقساط العالمية إلى مستويات ما قبل الأزمة بحلول نهاية عام 2021 ، فمن المحتمل ألا يتم الوصول إلى هذا الرقم في أوروبا حتى عام 2023.
وأفادت وكالة فيتش للتصنيف الإئتماني في ابريل 2021 أن غالبية شركات التأمين في سوق لندن قد تراجعت إما إلى خسارة أو ربح ضئيل للغاية في عام 2020، حيث عوضت التكاليف المرتبطة بوباء “كورونا” معظم أرباح الاكتتاب والاستثمار, وقالت وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى إنه رغم تعافي عائدات الاستثمار بالنسبة لشركات التأمين بشكل جيد في النصف الثاني من عام 2020، تذكر وكالة فيتش أن العائدات لم تكن كافية للتعويض عن خسائر الاكتتاب.
وهناك نظرة مستقبلية تفاؤلية بخصوص توقعات النمو لشركات التأمين عبر العالم , وتوقع تقرير لصندوق النقد الدولي في يناير 2021 بعنوان ” آفاق الاقتصاد العالمي “، نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 5.5٪ هذا العام 2021 ، ونمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 4.2٪ في عام 2022, وتحسن نمو أقساط تأمينات الممتلكات من 1.3٪ في عام 2020 إلى 3.6٪ سنوياً على مدى العامين المقبلين ، و ينتعش نمو أقساط التأمين على الحياة ليصل إلى 3٪ بعد الانكماش الحاد خلال عام 2020
وبشأن قطاع التأمين في السوق المصري , فقد كان واضحا منذ بداية تفشي الجائحة التأثيرات السلبية التي لحقت بهذا القطاع , بسبب توقف قطاعات تأمينية بعينها عن العمل، والإجراءات الاحترازية على مستوى العالم، ومنها قطاع تأمين السفر والطيران والبحري، فيما تأثرت قطاعات أخرى بسبب قرارات تأجيل سداد الأقساط، في ظل الظروف الراهنة وانخفاضها بمعدل 20% على الأقل,
وحاول سوق التأمين المصري التكيف مع الأوضاع الجديدة , فدعا الاتحاد المصري للتأمين، الشركات إلى البدء في تغيير استراتيجيات الاكتتاب والاستثمار وإدارة المخاطر والتسعير وذلك للخروج من الأزمة الحالية بأقل التكاليف كما تضمنت خطة الاتحاد المصري للتأمين إعداد استراتيجية للإصدار الالكتروني لسوق التأمين المصري من خلال كل اللجان الفنية بالاتحاد المصري للتأمين والخبرات على مستوي السوق المحلي والإقليمي, بالإضافة إلى تقديم حلول مبتكرة للتوزيع والتحصيل وسداد التعويضات الكترونياً عبر التطبيقات المختلفة بهدف تطوير السوق ومساعدته على التحول الرقمي والوصول لعملاء جدد.
كما دعا الاتحاد المصري للتأمين ، الشركات إلى إعادة النظر بخطط تعاملهم مع المخاطر المالية الجديدة مثل “مخاطر الأوبئة بصورة عامة”، وعلى إدارات المراجعة الداخلية وتعديل برامج عملها، والقيام بمراجعات لاحقة ومتزامنة للآثار المالية التي ستخلفها الأزمة، مع إعداد تقاريرها المالية في التوقيت المناسب، وخصوصا عند وجود بنود اعتمدت للاستجابة لجهود مكافحة الفيروس.
ولا يمكن اغفال الدور الكبير الذي قامت به هيئة الرقابة المالية لتقليل تأثيرات كورونا على سوق التأمين, بدءا من الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها ، للتعامل مع كورونا وهي؛ سلامة العاملين بشركات التأمين وهيئة الرقابة المالية، وتشكيل فريق إدارة الأزمات، واختبارات الملاءة المالية للشركات، وإصدار حزمة من القرارات التي تسهل المتعاملين في ظل الإجراءات الاحترازية الصحية، ودعم الشركات في تقديم الخدمات الصحية للعملاء في نصوص الوثائق والاستثناءات أو حتى في حالة الاستثناء، كما تم منح مهلة 5 أشهر لوثائق التأمين ضد مخاطر عدم السداد للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، منح وثائق التأمين الطبي والسيارات 30 يومًا من تاريخ استحقاق القسط، منح عملاء وثائق تأمين الشركة (حياة جماعي وتأمينات ممتلكات) مهلة 30 يومًا إضافية.
وعلى الرغم من التأثيرات السلبية للجائحة على النشاط الاقتصادي عبر مختلف الدول العالم , ألا أن تأثيرات كورونا على الاقتصاد المصري جاءت اقل من المتوقع, فوفقا لبيانات صندوق النقد الدولي فاقت الحسابات المالية والخارجية جميعا التقديرات الصادرة خلال العام المالي 2020/2019 ، حيث ظلت معدلات النشاط الاستهلاكي قوية نسبيا بما ساهم في تدعيم نمو القطاعات الأخرى ومن ثم تحقيق معدل نمو بنسبة 3.6% خلال العام المالي 2019/2020 مقارنة بتقديرات سابقة بنمو يبلغ 2% فقط ٔ, وتراجع أ معدل البطالة خلال الربع الثالث من 2020 إلى 7.3% عوضا عن 9.6% خلال الربع السابق له، وذلك بفضل الزيادة اللافتة في نسبة القوى العاملة المصرية، كما شهد ميزان العجز الجاري تحسنا ملحوظا خلال العام المالي 2019-2020، لافتا الى تحقيق أول فائض أولى بنسبة 1.8% من إجمالي الناتج القومي المصري متفوقا على التقديرات الصندوق السابقة.
وهذا التفرد في التجربة المصرية في مواجهة كورونا شمل أيضا قطاع التأمين فقد استطاع نشاط التأمين أن يحافظ على مستوى أدائه، بل تحسنت بعض مؤشراته وهي ما تشير إليه البيانات الصادرة من الاتحاد المصري للتأمين من ارتفاع إجمالي الأقساط لتصل إلى 40.1 مليار جنيه في 2020 مقارنة ب 35.2 مليار جنيه في 2019، بزيادة قدرها 14% ، وزيادة استثمارات شركات التأمين في نهاية العام المالي 2020 لتصل إلى 107.8 مليار جنيه مقارنة ب 102 مليار جنيه في العام 2019 بنسبة زيادة 5.7% .
ولا يمكن إنكار الدور الفعال التي قامت به إدارة الأخطار المؤسسية في شركات التأمين المصرية كون هذه الشركات معرضة بشكل عام للكثير من المخاطر تتنوع من حيث مصادرها وآثارها وطرق التعامل معها والتي يمكن أن تهدد قدرة هذه الشركات على تحقيق أهدافها المتعلقة بالنمو والربحية أو قد تهدد استمراريتها , وقد ساهمت هذه الإدارة في تخطي شركات التأمين تداعيات الجائحة من خلال التغلب على معوقات العمل في ظل انتشار الوباء, وتحديات التحصيل للأقساط وغيرها من الأمور التي نجحت هذه الإدارة في التغلب عليها لتخفيف تداعيات الجائحة , فالدور الهام والمميز لها هو إدارتها للمخاطر الغير متوقعة والمحتمل تأثيرها على أداء الشركات وقوة مركزها المالي , وهو ما أدارته بشكل مميز في فترة الوباء .
مروة البرتقالي
رئيس قسم تعويضات السيارات بشركة مصر للتأمين التكافلي
عضو معهد شارتيرد للتأمين بلندن