باحث أثري: الدفاع عن الأمن القومي عقيدة ترسخت عند المصريين القدماء
أكد باحث المصريات الدكتور محمد رأفت عباس اهتمام المصريين القدماء بالحصون وإنشاء القواعد العسكرية على الحدود المصرية المختلفة في الشرق والغرب والجنوب لحماية حدود البلاد من المغيرين، مشيرا إلى أن هذه العقيدة العسكرية ترسخت لديهم منذ فجر التاريخ للدفاع عن الأمن القومى المصري.
وقال عباس – في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط تعليقا على افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي قاعدة “برنيس” العسكرية جنوب شرقي البلاد – إن القاعدة بمثابة إحدى القلاع العسكرية المصرية على الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي بقوة عسكرية ضاربة في البر والبحر والجو، وتأتي امتدادا للقواعد والحصون العسكرية التي شيدها ملوك مصر القدماء للحفاظ على الأمن القومي المصري.
وأوضح أن الأدلة الأثرية كشفت وجود الحصون المصرية عند الحدود الجنوبية منذ عصر الدولة القديمة، وفي عصر الدولة الوسطى أشارت الأدلة النصية إلى تواجد الحصون على حدود الدلتا الشرقية، والتي أطلق عليها «أسـوار الحاكم»، وقد شيدت من قبل الملك أمنمحات الأول مؤسس الأسرة الـ12 للدفاع عن مصر من غارات البدو والأسيويين كما تشير نصوصه.
وأضاف أنه خلال نفس تلك الحقبة شيد المصريون سلسلة من القلاع والحصون في النوبة السفلى بلغت نحو 17 حصنا للسيطرة عليهـا وحمايـة الممتلكـات المصريـة هناك، في مناطق “بوهن وأسكـوت وشالفـاك وأورونارتى وسمنة وقمنة”، موضحا أن ملك مصر العظيم سنوسرت الثالث كان له الدور الأكبر في تشييد هذه الحصون بعد فتح بلاد النوبة وضمها إلى السيادة المصرية.
ولفت إلى الكشف عن العديد من المعلومات التاريخية المهمة حول طريق حورس الحربي وتحصيناته المختلفة خلال عصر الدولة الحديثة، وذلك من خلال المناظر الحربية التي سجلها الملك سيتي الأول (1294 – 1279 ق.م) ثاني ملوك الأسرة ال١٩ عن حملته الحربية الأولى على آسيا والتي سجلت على الحائط الشمالي الخارجي لقاعة الأعمدة الكبرى بمعبد الكرنك بطيبة، ومن خلال ما ورد كذلك على بردية (أنستاسى رقم 1) من عهد الملك رمسيس الثاني.
ونوه إلى تشييد المصريين القدماء 11 حصنا و9 آبار عبر ذلك الطريق، حملت أسماء الملكين سيتى الأول ورمسيس الثانى، ومما لا شك فيه أن هذه الحصون يعود تأسيسها إلى مراحل تاريخية أكثر قدما، مؤكدا أن قلعة (ثارو) الحدودية فى شمال غرب سيناء، كانت أهم قواعد الجيش المصرى ونقطة التجمع الاستراتيجية فى الحملات الحربية المختلفة كما أشارت النصوص المصرية.
وقال إنه تم الكشف عن المجد العسكري المصري الخالد لسيناء في تاريخ مصر القديمة من خلال أعمال الحفائر الأثرية التي قامت في سيناء بداية من ثمانينات القرن الماضي وحتى الوقت الراهن، والتي بذل فيها علماء المصريات برئاسة الدكتور محمد عبدالمقصود الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار جهدا كبيرا.
وأضاف أنه تم الكشف عن بعض مواقع حصون طريق حورس الحربي، والتي تواجدت في مواقع تل حبوة على مقربة من القنطرة، وتل البرج، وتل الحير، وبئر العبد، والخروبة بالقرب من العريش، مؤكدا أن لهذه الاكتشافات الأثرية أثرا واسع المدى في أرجاء علوم الآثار والمصريات بالعالم، وأعادت تشكيل التاريخ العسكري المصري القديم.
وأشار إلى أن موقع (تل حبوة) يعد أكبر وأهم ما اكتشف في طريق حورس الحربى، حيث إنه كان الموقع الفعلي لحصن ومدينة ثارو القديمة، والتي كانت بمثابة المدخل الشرقي لمصر ونقطة التجمع الاستراتيجي للجيوش المصرية المنطلقة نحو آسيا في حملاتها الحربية المختلفة خلال عصر الإمبراطورية المصرية (عصر الدولة الحديثة 1550 – 1069 ق.م).
وتابع قائلا “إن هذا الموقع يقع على مقربة من القنطرة شرق، على مسافة 3 كم شرق قناة السويس، وتبلغ مساحته نحو 3 كم2، ويطلق على القسم الشرقي منه اسم تل حبوة 1، كما يطلق على القسم الغربي منه اسم تل حبوة 2، ويتضمن القسم الشرقي بقايا تحصينات قلعة ثارو التاريخية الشهيرة أما القسم الغربي فيتضمن مباني إدارية ومخازن لتموين الجيش المصري ومنطقة معابد”.
وأوضح أنه بالنسبة لحدود مصر الغربية فتشير الأدلة الأثرية والنصية إلى أن ملك مصر العظيم رمسيس الثاني قد كان أول من تنبه لخطر القبائل الليبية وشعوب البحر على الأمن القومى خلال عهد الرعامسة فقرر تشييد مجموعة من الحصون المصرية عبر الطريق الساحلي في مناطق العلمين والغربانيات وزاوية أم الرخم، والتي تمكن علماء الآثار من الكشف عن بعض بقاياها.
ونوه بأن الدراسات الأثرية عن هذه القلاع كانت قد بدأت في موقع زاوية أم الرخم خلال حقبة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي بقيادة الأثري ألن رو وعالم الآثار المصري الشهير لبيب حبشي، حيث اعتبرت قلعة زاوية أم الرخم التي شيدها الملك رمسيس الثاني القاعدة العسكرية المصرية الأكبر والأبرز على حدود مصر الغربية والتي لعبت دورا بارزا في حماية هذه الحدود من غارات القبائل الليبية طوال فترة حكمه.