دنيا و دين

الجريمة الكاملة .. (الحلقة الثانية)

قلم / د. شيرين جودة نصر

نستكمل اليوم حديثنا عن الجريمة الكاملة ومن هم القتلة الثلاثة، وقد تحدثنا في المقال السابق عن القاتل الأول ألا وهو اللوم، واليوم نكمل معاً حديثنا عن هؤلاء القتلة وكيف يرتكبون جريمتهم ويقتلون بلا هوادة وبضمير ميت حتى وإن كان الهدف من القتل مشروعاً … نعم أحياناً يكون الهدف مشروعاً.

القاتل الثاني :” النقد “

من منّا لم يتعرّض يوماً للانتقاد؟ سواء كان انتقاداً إيجابياً او سلبياً ؟ لا أحد بالطبع، لأن الإنسان الذى لم يتعرض للانتقاد يوماً فهذا معناه انه لم يفعل شيئاً على الإطلاق. و هذا غير معقول بالتأكيد. ولكن هل كل من يتعرض للانتقاد يمتلك القدرة على الرد ؟

دعونا فى البداية نُعرف النقد … ما هو النقد؟

النقد نوعان ، النوع الأول: النقد الإيجابي : وهو نقد بناء الهدف منه الإصلاح والتحسين والوصول لأعلى مستوى من النجاح والتفوق على كل المستويات سواء كانت مستويات مادية او اجتماعية.

لذلك فهو يصف التصرفات السلبية والإيجابية بطريقة ودودة الهدف منها تصحيح الخطأ إذا وجد، أي نقد أسلوب الشخص وليس الهجوم على الشخص نفسه.

ويمكن القول بأنه (تقييم العمل ) بغض النظر عمن قام بالعمل وعدم الانحياز لاحد، بل التركيز على النقاط غير المستحبّة لتصحيحها والإيجابية للإشادة بها، وخاصة إذا أتى ذلك بطريقة منهجية من خلال متخصص أو خبير.

وبالطبع فإن هذا النقد هو المطلوب في كل الظروف وفي كل المجالات لأن الهدف منه المنفعة لكل الأطراف ومن يتبع هذا الأسلوب هو شخص متصالح مع ذاته همه المصلحة العامة والسعي لتحسين ما هو سيء .

أم النوع الثاني من النقد وهو المنوط الحديث عنه اليوم كقاتل ضمن القتلة الثلاثة وهو النقد السلبى.

يُعد النقد السلبى قاتلاً محترفاً حيث أن مهمته هى البحث عن الخطأ والإشارة إليه بكل جرأة والبحث في أسبابه وإلقاء اللوم على المسبب .هنا يكون النقد هداماً غير ذي فائدة لأن هدفه التشهير والبحث عمن نحمّله المسؤولية تجاه الأحداث والمواقف وغالباً ما يأتي ذلك من شخص متشدد في آرائه وعديم الخبرة والمعرفة  وهنا تبدو جلياً جريمة القتل التي من شأنها أن تصل بالضحية إلى الشعور المستمر بالاضطهاد والاحباط والدونية حتى تصل لأن يتمنى الشخص الذى وُضع تحت ضغط النقد المستمر أن يموت حتى يتخلص من هذا العذاب.

والسؤال هنا .. ما هي أنواع النقد وكيف نواجهه؟  

اتفقنا فى البداية ان النقد إما أن يكون إيجابياً أو سلبياً ، ومن الجدير أن نعرف ان هناك ثلاثة أنواع من النقد نستطيع من خلال التعرف عليهم أن نتعامل مع نوعى النقد (الإيجابي والسلبى)  بسلاسة سواء مع من ينتقدنا أو من ننتقده.

أنواع الانتقاد:

1-         الانتقاد للانتقاد

هذا النوع من الانتقاد هو الأكثر شيوعاً، لان هناك أناساً يعتبرون أن نقدهم للآخرين يمنحهم أهمية وثقة بالنفس فتجدهم ينتقدون أي شخص وأي شيء حتى وان كان النقد لا علاقة له بالموضوع كأن ينتقد أحدهم ملابس زميله فى العمل والذى جاء ليأخذ رأيه فى العمل الذى أنجزه.

العلاج : هذا النوع من الانتقادات لا يستحق الرد عليه أو إعطائه أي أهمية بل يعتبر تجاهل مثل هذه الانتقادات الحل الأمثل للتغلب عليها. 

2-         الانتقاد المدمّر

وهذا النوع من الانتقاد هو ما اتفقنا على أنه هو القاتل الحقيقي حيث أن المنتقد يشن هجوماً مباشراً على الشخص وشخصيته وغالباً ما ينعته بعبارات محبطة تقلل من قيمته وتشعره بالدونية والاحتقار وتؤدى إلى قتل شخصيته ووأد إبداعاته، وهذا النوع من النقد السلبى المدمر لا يصدر إلا من شخص هدفه هو الظهور أمام الآخرين بمظهر الغيور على المصلحة العامة. لذلك فهو يغض الطرف عن كل ما هو جميل ويحوّل الموقف إلى موضوع سلبيٍ مهما كان يحمل من إيجابية وذلك بالبحث عن أيّ ثغرة أو جزئيّة بسيطة أو نقطة ضعف في الحدث ويبني آراءه حولها ويأخذ بذلك دور الناصح المهتم ً.

العلاج: لا تأخذ هذه الانتقادات على محمل الجدّ وحاول أن تمتلك من الثقة ما يكفي لتجاهلها دون أن تسمح لها بالتأثير عليك.

3-         الانتقاد البناء

وهذا هو النقد الإيجابي الذي يهدف إلى تصحيح خطأ أو خلل ما ويقدّم تجربة تعلّم جديدة للشخص. حيث يستخدم النقد البنّاء الفعّال ما يعرف بأسلوب الساندويتش ، وهي تقنية يتم فيها الثناء على الشخص فى بداية الحديث ثم لفت نظره للمشكلة ثم الختام بالشكر والثناء مرة أخرى.

مثال على ذلك : إذا أراد أب أن ينتقد درجات ابنه فى الامتحان فلا ينبغي أن ينتقد درجاته المتوسطة ويعمم ذلك على جميع الدرجات ولكن يثنى فى بداية الكلام على انه تفوق فى بعض المواد وحصل فيها على درجات مرتفعة كأن يقول له : أنا لاحظت أنك تفوقت فى بعض المواد وحصلت على درجات متقدمة وهذا ممتاز ، ثم يضع الشيء الذى اراد ان ينتقده فيه مثل : لكنى لاحظت أن هناك بعض المواد قد حصلت فيها على درجات متوسطة ، ثم يختتم الكلام فيقول : لكن هذا لا يقلل من اجتهادك وانأ أثق فى انك ستحصل فى الاختبار القادم على درجات أفضل.

وهكذا نرى أن الأب وضع النقد لابنه بين عبارتي ثناء مما يجعل الابن يضع نصب عينيه الحصول على درجات مرتفعة فى الاختبار القادم دون الشعور بالإهانة من الأب لحصوله على درجات متوسطة.  ولهذا  يسهم هذا النوع من النقد في تطوّر الفرد ومساعدته على التعلّم بشكل أسرع، لذا لابدّ من الأخذ به وتقبّله بروح رياضية والسعي للاستفادة منه. 

ولتفادي الشعور السلبى للنقد هناك طرق تساعدك على تحقيق الاستفادة من النقد وهى:

1-         كن دائما مستعدا للانتقاد

اتفقنا فى البداية أن من لا يتعرض للنقد هو شخص لا يقوم بأي عمل وهذا بالطبع مستحيل ، لذلك فالإنسان دائما عُرضة للنقد ، فإذا ما انتقدك أحدهم تذكر المواقف المشابهة للموقف الحالي الذى تم انتقادك فيه وكيف تخلصت من هذا النقد فى الماضي وما هو شعورك آنذاك ، كل هذا من شأنه أن يجعلك أقوى فى حال تم انتقادك مرة أخرى .

2-         تجنب الانسياق خلف مشاعرك

عندما يتعرض أحدهم للانتقاد يتولد لديه شعور بالتعرض للهجوم مما يجعله يشعر بغضب شديد وهنا تكمن الخطورة إذ أنه من الممكن ان يندفع ويتصرف تصرفاً يندم عليه بعدها ، والأفضل أن يتريث قليلاً قبل الرد حتى يتسلم العقل زمام الامور وهنا تهدأ المشاعر ويمكن بعدها تقديم رد يحقق نتائج مرضية.

3-         تغلب على شعورك بضرورة الدفاع عن نفسك

اعلم أنك لست متهماً للدفاع عن نفسك ، فحاول ان تدرب نفسك على الاستماع للطرف الآخر وهذا من شأنه يعد اداة قوية تساعدك على تجاوز معظم المواقف الصعبة وتقبّل النقد بروح رياضية. الاستماع يشعر الطرف الآخر بالراحة ويجعله أكثر انفتاحًا وتقبلاً لسماعك ومعرفة وجهة نظرك حول ما قاله لك.

4-         ناقش باحترام

علينا أن نسلم بأنه لا توجد وجهة نظر واحدة فى كل الأمور ، وأن الاختلاف سنة كونية، وليس لأن كلا الطرفين لهما رأى مختلف فهذا بالضروري يجعل احدهما مصيب والآخر مخطئ، لكن من الممكن جداً أن يكون كلاهما مصيب ولكن كل ينظر من زاويته هو، لذلك وجب على الاثنين مناقشة الآمر بهدوء واحترام حتى يستطيعا الالتقاء عن نقطة تفاهم ، وعلى كل منهما بعد عرض وجهة نظره أن يشكر الطرف الاخر مع وعده بأخذ وجهة نظره فى الاعتبار .

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله لنتعرف معاً على القاتل الثالث فى الجريمة الكاملة.

                                                                                    د/ شيرين جودة نصر

                                                                        استشاري تنمية ذاتية وعلاقات أسرية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى