تقارير

الرؤية المستقبلية في خدمات الطب عن بعد .. والتشخيص الذاتي

تقرير/ د. دلال عبد الحليم حسن

لم يعد هناك  مجال لممارسة الطب في العيادات بالطرق التقليدية كسابق العهد الذي يتطلب الحضور الشخصي للمرضي الي داخل العيادات ،  و لم يعد نوع المريض كمثيله سابقا  الذي كان يستمع  فقط  للطبيب دون مشاركته خطة العلاج ومعرفته لوضعه الصحي ، لقد اختلفت الأزمنة و الرؤيا لكلاهما كما اختلف التطبيق العملي لممارسة الطب الحديث ، وكذلك اختلفت آليات التقنية الطبية الحديثة لتشخيص الأمراض و علاجها ومما لا شك فيه أن اجتياح وباء فيروس كوفد 19 المعروف إعلاميا ب الكورونا لدول العالم بأكمله في الشهور الماضية كان مفاجأة غير مسبوقة التجهيز و الإعداد التقني لدى المنظمات الصحية العالمية بما في ذلك دولة منشأ الفيروس وهي جمهورية الصين الشعبية التي تفاجأت بفجيعة انتشار الفيروس بداية من مدينة  ووهان  مصدر العدوي إلي هول عدد المرضي المصابين وعظم الخسائر المادية التي تكبدها الصين في صراعها للسيطرة علي الوباء و جهودها لمعالجة المصابين ، نفس الأمر الذي تطابق حدوثه في جميع دول العالم آن واحد و شمل دولة تلو أخري لتواجه مفاجأة الكارثة وتعيش نفس سيناريو الحدث  ، فلم يكن في الحسبان لأي دولة  توقعات مسبقة و منظمة لاحتواء الأزمة حتي تكبدت الدول العظمي خسائر جمه اقتصادية و بشرية في فقد  الآلاف العديدة من  الأرواح ،  و بات العالم يعيش حالة عامة من إربتاك جميع  المصالح الاقتصادية وجميع الخدمات والضغط الشديد علي الخدمات الصحية  حتي أصبح  تقديم الخدمات الصحية للمواطنين عن بعد ضرورة حتمية لا خيار فيها وأصبح استخدام التقنيات الطبية الآلية و تفعيل البرامج الطبية للتشخيص الذاتي والعلاج المنزلي والمتابعة عن بعد في عدم رؤية المريض أمر واجب  من خلال مكالمات الهواتف الذكية لتوصيل الاستشارات الصحية الي المريض في بيته دون اللجوء للحضور الشخصي داخل المراكز الصحية أو مستشفيات العزل  لعوامل خطورة نشر المرض.

إن هذا  ما يعرف بالتشخيص الذاتي والطب عن بعد  و يعرف ايضا بالاستشارات الطبية المنزلية أون لاين عبر روابط الكترونية باستخدام شبكات النت و أجهزة الكومبيوتر ، وتعد هذه الآليات والتقنيات الحديثة ساهمت كثيرا في تقديم الخدمات العلاجية للمرضي المصابين ومتابعتهم  وذويهم المخالطين بالمنازل مع استمرار التواصل الهاتفي و السوشيال ميديا بالصفوف الأولي من الفرق الطبية المعالجة و مقدمي الخدمة الصحية عن بعد لاحتواء الأزمة.

إن جائحة الكورونا لعام ٢٠١٩ تم تسجيلها في سجل الوبائيات العالمي و علي الرغم من قسوة خسائرها  إلا أنها أضاءت جانب هام في جميع دول العالم وهو الضرورة الملحة والعاجلة  لتطوير الجهاز الصحي بكل دولة علي أسس حديثة وتقنيات آلية جديدة ليكن قوامها ممارسة الطب الالكتروني والطب الذاتي والتشخيص والمعالجة عن بعد  وتأسيس العيادات التخصصية أون لاين علي شبكات التواصل الاجتماعي . كذلك تطوير مهارات العاملين بالجهاز الصحي لتشمل  ممارسة الطب الحديث وتفعيل التثقيف الصحي والدور الإيجابي لدي المواطنين فمن خلال تطبيقات وبرامج عديدة يمكن  ادخال معلومات وبيانات محددة عن حالة المريض يستطيع الفريق الطبي أن يجمع بها معلومات محددة لتشخيص الحالة المرضية ومن خلالها يتواصل مع المريض للمعالجة ومتابعة نتائج  الفحص المخبري و الأشعة اللازمة ومن ثم الوصول إلى التشخيص الأكيد و هكذا  يتم الاستغناء عن الحضور الشخصي للمريض بالعيادات لتوقيع الكشف الطبي المباشر إلا استثناء الحضور الذاتي لبعض الحالات الغامضة والحرجة الي قسم الطوارئ وعندئذ  يوجب الحضور الشخصي للمرضي الي العيادات .

لقد رأينا تطبيقات جديدة أثناء جائحة الكورونا و سباق الدول المتقدمة في تطبيق التقنيات الآلية الحديثة في مجال الخدمات الصحية بالمستشفيات العلاجية ومستشفيات العزل حيث تم الاستعانة بالروبوت الآلي للتعامل المباشر مع المرضي مصابي الكورونا بأجنحة العزل ، كما تم تفعيل التطهير الآلي للأجواء و الأسطح  باستخدام التقنيات الحديثة في أجهزة الأشعة فوق بنفسجية لمسح واسع النطاق في زمن قياسي كما تم في تطهير الأسواق والمطارات و المصالح الخدمية للمواطنين .

كما رأينا العديد من الأجهزة الإلكترونية بالمستشفيات و تطبيق نظم الملفات الالكترونية للمرضي لربط شبكات الخدمات الطبية العلاجية وتيسير الخدمات الاستشارية و الإحالات المرضية العاجلة  وهكذا استمر تدفق الخدمات العلاجية الي المرضي الأمر الذي ساهم  في الحد من نشر العدوي أثناء فترات حظر الحركة للمجتمعات ، كذلك تم تيسير تقديم  الخدمات الصحية لكبار السن و متوسطي العمر ذوى الأمراض المزمنة بتطبيق الكشف الآلي عن بعد باستخدام تقنية المعلومات الإلكترونية لعمل الفحص الإكلينيكي و التشخيص عن بعد في غياب المريض و من خلال الحصول على بيانات المريض و شكواه و طلب الفحوصات المعملية و الأشعية تمت المتابعات بوسائل تواصل مختلفة مثل التليفون و الروابط  علي شبكات التواصل الاجتماعي كالإيميل والوتساب  إلا ما قل بالحضور الشخصي لهم .

ويعد هذا الجانب إيجابيا  في تخطي جائحة الكورونا بالعالم و أخرجت منظور جديد لتطوير ممارسة الطب الحديث قوامه التقنية الالكترونية وربط شبكة الخدمات لتصبح مركزية المعلومات و التواصل بالمنشآت الصحية عن بعد  و يتم أيضا  تدريب الكوادر وجميع العاملين بالفرق الطبية  باستخدام أحدث النظم والتقنيات الآلية الجديدة مع اعتماد استخدام البرامج الطبية  الذكية العالمية التي تعمل في البحث  عن عوامل الخطورة للكشف المبكر عن  الأمراض والأورام  فتحصل علي تشخيص  مبدئي للمريض عن بعد وبذلك يتم تفعيل الطب الذاتي .

 فالمستقبل لازال يحمل غموضا تجاه أوبئة فيروسية أو انتشار أمراض سرطانية تلك الحاجة الملحة لضرورة تجهيز الدول لإعداد منظمي ومخططي البرامج الصحية لسد العجز في التجهيزات الطبية الحديثة و اتمام تطبيق وتعميم آليات التقنيات الحديثة في ممارسة الطب الجديد و توصيل الخدمات الصحية بنظم المعلومات الإلكترونية. إن هذا ما  رأينا بالفعل في ازمة وباء الكورونا بعض الدول تفاجأت لكنها مستعدة للمواجهة بالمنظومة الصحية الحديثة المعهودة لديها فسهل عليها  احتواء الأزمة بأقل خسائر ممكنة و دول أخري تفاجأت ولم تكن مستعدة فعظمت خسائرها ، وأخري اجتهدت واحتوت الازمة لكنها لازالت بحاجة إلى اعادة هيكلة المنظومة الصحية والبنية التحتية و التقنية الحديثة للجهاز الصحي  فالأزمات تفجر المهارات وتنمي القدرات و تحسن الرؤية و الخطط  المستقبلية. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى