الجريمة الكاملة.. (الحلقة الثالثة)
قلم / د. شيرين جودة نصر
نستكمل اليوم حديثنا عن القتلة الثلاثة الذين يرتكبون الجريمة الكاملة ، وحديثنا اليوم عن القاتل الثالث، ذلك القاتل العتيد فى إجرامه الذى لا يقتل ضحيته فحسب بل يمثل بها أيضاً، قاتل يستحوذ على مشاعر الضحية ويفقدها ثقتها بنفسها حتى تكره كل شيء من حولها وبالتالي يكون موتها حتمياً حتى وإن استمرت تمشى على الأرض لأنها فى هذه الحالة ستكون مجرد كائن حى.
حديثنا اليوم عن القاتل الثالث وهو ” المقارنة“
والمقارنة هى فخ يقع فيه الكثيرون الذين ينظرون دائماً إلى ما ليس فى أيديهم ولا يرون أبداً النعم التى أنعم الله بها عليهم لكن يركزون فقط على ما لا يمتلكون، فدائما ما يقارنون بينهم وبين الآخرين فى كل شيء فيستعرضون نقاط ضعفهم أمام نقاط قوة الآخرين وهذا ليس عدلاً بالطبع فهذه المقارنة ستؤدى حتماً إلى الشعور بالإحباط وتثبيط الهمم.
ولقد استعرضت مجلة “بريغيته” الألمانية عشرة أسباب تثبت أن المقارنة غير مجدية على الإطلاق وهي:
- فخ لا ينتهي: دائرة المقارنات لا تنتهي فستجد دوماً من هو أفضل منك، لذا فإضاعة الوقت في المقارنات مسألة غير مجدية إذ لا نهاية لها.
- ظلم للنفس: ما يحدث في المقارنة هو أننا نضع نقاط ضعفنا – كما ذكرنا – في مواجهة نقاط قوة الآخرين وهي معاملة غير عادلة للذات لما فيها من تجاهل نقاط القوة والتركيز فقط على نقاط الضعف.
- سطحية في التفكير: تعتمد المقارنة على رصد نقاط قوة الآخرين الظاهرة لنا وهو خطأ كبير فالسعادة الظاهرية ليست بالضرورة مؤشراً على الحالة العامة للإنسان.
- ضياع الاستمتاع بالحاضر: من يشغل نفسه بمتابعة أحوال الآخرين، يضيع على نفسه فرصة الاستمتاع باللحظة الراهنة وما تهديها له.
- 5- ضرر للذات: الانشغال بمقارنة أنفسنا بالآخرين يؤدي لتدهور الحالة المزاجية وهو ما يؤدى إلى مشاكل صحية لأن كثيراً من الأمراض الجسمانية تكون بسبب الحالة النفسية وهو ما يعرف بالأمراض النفس جسمية والانشغال بالمقارنة يؤدى إلى هذه الأمراض .
- الحياة ليست مسابقة: من يقع في فخ المقارنة ينسى حقيقة مهمة وهي أن الحياة ليست سباق مع الآخرين.
- لكل شخص مميزاته: لكل شخص نقاط القوة الخاصة به في شخصيته والانشغال بمتابعة أحوال الآخرين، يضيع عليك فرصة كبيرة فى إظهار نقاط قوتك.
- توتر عصبي: يقول الأطباء إن الجهد المبذول في المقارنة مع الآخرين، يضعك تحت ضغط عصبي لرغبتك فى إثبات أنك الأفضل كأنك في حالة منافسة .
- 9- نظرة غير واقعية: إذا كنت في بداية حياتك العملية فمن غير المنطقي أن تقارن نفسك بزميل له خبرة سبقتك بأعوام، لأنك في هذه الحالة تتجاهل أنه هو أيضا بدأ من الصفر في يوم من الأيام وهو أمر يعني التوتر العصبي المستمر.
- من العدم وإليه: ثمة حقيقة يمكن أن تريح من يستوعبها من المقارنة مع الآخرين، وهي أننا ولدنا جميعا ونحن لا نملك شيئاً وسنموت في يوم ما أيضاً دون أن نأخذ شيئًا ، وبالتالي لا جدوى من إضاعة الوقت بين الميلاد والموت في التوتر العصبي غير النافع.
والآن نتعرف معاً على أنواع المقارنة وكيف تؤثر على حياتنا ، فالمقارنة ثلاثة أنواع هى:
1- مقارنة بين الشخص ذاته مع الآخرين:
وهنا يقارن الشخص بينه وبين شخص آخر ومشكلة هذا النوع في المقارنة أن الشخص يركز على ما هو ضعيف فيه ويقارنه مع شخص قوى في هذا الآمر مما يشعره بالإحباط والقلق وعدم القدرة على اتخاذ القرار ويجعله يقع في نطاق الحسد والغيرة والحزن.
2- المقارنة بين الشخص وذاته في الماضى والحاضر:
وهذا النوع يحدث للكثير من الناس وهو عندما يحدث للإنسان موقف معين أو يكون في حالة مزاجية معينة نجده يفكر كيف كانت حالته المزاجية أو المادية أو العائلية أو الاجتماعية أو الصحية في الماضى وما هي عليه الآن مما يصيبه بالإحباط والشعور بالندم على ما فات.
3- المقارنة بين شخص وآخر:
هنا نجد الشخص يولى نفسه منصب القاضي ولديه الحق في أن يحكم على الناس ويقرر من الأفضل ومن المخطئ ومن أخطر مشاكل هذا النوع من المقارنات مقارنة الأب أو الأم بين أولادهم وأولاد أقاربهم أو بين أولادهم أنفسهم – كأخوة – في الدراسة أو العمل أو إطاعة الأوامر أو الجمال ولا تدري الأم أو الأب مدى خطورة هذا النوع من المقارنة فهما يشعران أولادهما أنهم أقل من غيرهم وذلك يجعلهم يشعرون بعدم التقدير ويدعم مشاعر الغيرة التى قد تصل إلى الكره والحقد على الآخرين.
والآن عزيزى القارئ بعد أن استعرضنا على مدى ثلاث حلقات الجريمة الكاملة ومرتكبيها من القتلة الثلاثة (اللوم – النقد – المقارنة) آن الأوان لنغير نظرتنا لطريقة تعاملنا مع أنفسنا ومع الآخرين حتى نصل إلى السلام الداخلى وحتى نسمو ونرتقى بأنفسنا وحتى يصبح مجتمعنا منتجاً فعالاً.
لنطرد القتلة الثلاثة من حياتنا ولا نسمح لأى منهم أن يفسد علينا تفكيرنا ومشاعرنا فالحياة ملك للجميع بشرط أن نتعاون على جعلها أفضل.
د/ شيرين جودة نصر
استشاري تنمية ذاتية وعلاقات أسرية