باسم المغازي يكتب: أفكار مبعثرة
كلمات بلا حروف
قد يصل الأديب إلى الذروة في نفوس القراء تعبيراً للمعاني، وحبكًا للألفاظ، غير أنَّه يقف عاجزاً عن وصف الشعور الحسّي وصفاً حقيقياً، فبوْنٌ بعيدٌ بين اللفظ والحس، إذ تقف الكلمات عاجزة وتتصلّب العبارات شاخصة بين الأديب ومراده في وصول القارئ إلى بر الشعور الحسي…
هل لأن وصف الشعور يحتاج إلى حروف غير التي نعرف…؟
وهل يحتاج الأديب إلى حروف ابتكارية غير مألوفة…؟
أم أن القارئ الكريم يرضى من أديبه أنصاف التعابير وبقايا الكلمات والعقل والقلب يؤولان لأنهما المعنيان بالخطاب…؟!
ربما… وربما نحتاج حقاً إلى لغة جديدة أو لنقل حروفاً جديدة يمكنها حمل الإحساس حملاً يصل به الأديب إلى بر المتلقي في أمان وسلام، حتى إذا عركته الحياة بتفاصيلها؛ الفرح الشديد أو الحزن العميق… الأمل البعيد أو الألم القريب… تمكنه تلك الحروف من تسجيل مشاعره ووصفها وصفاً يرقى إلى حد الكمال….
ليست حروفنا من تلك الحروف التي يمكنها فعل ذلك… مهما قويت ولعل وصف المشاعر يختلف باختلاف القائل والمتلقّي، كما يختلف باختلاف الحدث وكما قيل:
ثمانية تجري على الناس كلهم ولا بد للإنسان أن يلقى الثمانية
سرور وحــــــزن واجــــــــتماع وفرقة ويــــــسر وعـسـر ثم ســـقــم وعافــــــية
لو تساءلنا: هل يمكن لأحدنا أن يصف شعوره وصفاً دقيقاً إذا مست النار يده؟
بديهي أنه لن يستطيع، وإن حاول، بل حتى لو تعاطفت معه الكلمات أو رثت لحاله الحروف فلن يستطيع أن يخبرنا ……
بحثت كثيراً عن حروف خاصة بالمشاعر فلم أجد إلا مجرد محاولات ظن أهلها أنهم بلغوا القمة بها…
ما ننشده هنا كلمات بلا حروف، نعم بلا حروف؛ لأن المشاعر لا ترضى بحروفنا، بل لعلها تتطلب حروفاً غير تقليدية، حروفاً تختص بالمشاعر فقط وأنّى للبشر الحصول عليها وهم لم يتعلّموها ولم يتمرّسوها.
أنا لا أنكر قوة تأثير الكلمة في نفوس المستمعين ولكني أقول مهما قويت الكلمة فلن تستطيع أن توصّل الإحساس كما يشعر به صاحبه.