رئيس جامعة الأزهر يشارك في احتفالية كلية اللغة العربية بالقاهرة بتجديد اعتمادها من هيئة ضمان الجودة
أعلن فضيلة الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أنه قريبًا سوف يتم صرف مكافأة لجميع منسوبي كليات الجامعة التي حصلت على شهادة الاعتماد من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد التابعة لرئاسة مجلس الوزراء والبالغ عددها 31 كلية معتمدة، إضافة إلى 57 برنامجًا معتمدًا اعتمادًا برامجيًّا؛ جاء ذلك خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها كلية اللغة العربية بالقاهرة؛ بمناسبة حصولها على شهادة تجديد الاعتماد.
وقدم رئيس جامعة الأزهر التهنئة إلى كلية اللغة العربية بالقاهرة تلك الكلية المتميزة والعريقة والتي كانت في طليعة الكليات المعتمدة، كما كانت في طليعة الكليات التي حصلت على شهادة تجديد الاعتماد.
وفي بداية كلمته نقل رئيس الجامعة للحضور تحيات فضيلة ِالإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وحيا رئيس جامعة الأزهر صمود أهل غزة التي تدك منذ نحو عشرة أشهر من آلة البطش الصهيوني الهمجي على مرأى من العالم ومسمع، لافتًا إلى أن الحرية لا تنال إلا بالتضحية والفداء أو كما قال أحمد شوقي:
بِـــــــلادٌ مــــــاتَ فِتيَتُها لِتَــــحيا وَزالـــــــوا دونَ قَـــــــومِهِمُ لِيَبــقوا
وَقَفتُـــم بَينَ مَــــــوتٍ أَو حَيـاةٍ فَإِن رُمتُــم نَعيـــمَ الدَهرِ فَاِشقوا
وَلِلأَوطـــانِ في دَمِ كُــلِّ حُـــــرٍّ يَــــــدٌ سَلَفَت وَدَيــــــنٌ مُستَـــــحِقُّ
وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا إِذا الأَحـــــرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا
وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا وَلا يُـــــدني الحُقـــــوقَ وَلا يُحِقُّ
فَفي القَتلى لِأَجيــــــــالٍ حَياةٌ وَفي الأَسرى فِدىً لَهُمو وَعِتقُ
وَلِلحُــــــرِّيَّـــــةِ الحَمـــــراءِ بابٌ بِكُــــلِّ يَـــــــدٍ مُضَــــــــرَّجَـــةٍ يُــــدَقُّ
وأوضح رئيس الجامعة أن المولى -جلت قدرته- قادر على أن يخرج من أصلاب المحنة منحة، وبينهما جناس قلب بتقديم الحاء في المحنة على النون في المنحة، والحاء قبل النون في ترتيب الأبجدية العربية وهذا الترتيب يقول: إن المحنة تتبعها المنحة، وما ضاق أمر إلا اتسع قال ابن زريق في عينيته السائرة:
عِلمًا بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِب فَرَجًا فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
وعبر رئيس الجامعة عن سعادته بهذا الحفل الطيب وهذا اليوم الأغر قائلًا: هذا يوم أغرّ من أيام هذه الكلية المباركة، يوم الوفاء والبر.
ووجه رئيس الجامعة التحية إلى أصحاب العزيمة الوثابة التي سَرَتْ في أوصال هذه الكلية، فنَهَضَتْ وقَامَتْ، وشَمَّرَتْ عن سَاعدِ الجِدِّ، ونَبَذَتِ الفُرْقَةَ والاختلاف، واجتمعت بالمحبة والائتلاف، والاتحادُ مع المحبة يصنع العجائب، فكانت الكلية يدًا واحدة في عمل جماعي واحد، وغاية واحدة حتى حَصَلَتْ منذ سنوات على شهادة الجودة والاعتماد من الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد، ثم ظفرت هذا العام بشهادة تجديد الاعتماد، وصار ذلك اليوم واقعًا بعدما كان أملًا:
وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا
وأوضح رئيس الجامعة أن جامعة الأزهر هي العُشُّ الذي فيه دَرَجْنا، والنَّبْعُ الذي منه نَهِلْنَا، أَبْلَيْنا فيها شَرْخَ الشباب حتى أدركنا فيها المشيب:
هُو الصَّبُّ يا عَذْرَاءُ شَابَتْ هُمُومُهُ ولم يَحْظَ مِن دُنْيَاهُ يَومًا بِرَاحِمِ
إن الله جلت قدرته يقيض لهذه الجامعة في كل زمن رجالا:
لِكُلِّ عَصْرٍ رِجَالٌ يُذْكَرُونَ بِهِ وَالْفَضْلُ بِالنَّفْسِ لَيْسَ الْفَضْلُ بِالْقِدَمِ
رجال لا يمنعهم عن مواصلة الكفاح حَرٌّ ولا قَرٌّ، يواصلون العمل ليلًا ونهارًا، مع قلة الإمكانات التي تصير بحبهم وتعاونهم كثيرة، وقلة ذات اليد التي تصير بسخاء نفوسِهم وسَعَةِ صدورهم وفيرة، أرواحٌ طامحة، وأبدانٌ كادحة حتى ينبلج الفجرُ الصادق، تحيةً لهذه الكلية عميدًا ووكيلين وأعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة والموظفين والعمال، تحيةً لكل يد عَمِلَت وكدت وجاهدت تحية للطلاب الذين وقفوا مع صرحهم وأساتذتهم، إن هذه الكلية وَلُودٌ، تلد العُلا والسؤدَد كأنها عقيلةُ جعفرٍ التي قال عنها مَرْوانُ بن أبي حفصة:
لِلَّهِ دَرُّكِ يا عَقيلَةَ جَعفَرٍ ماذا وَلَدتِ مِنَ العُلا وَالسُؤدَدِ
ولا أَزِيْدُ الوصف فأُفْسِدُه، فالصمت في حَرَمِ الجمال جمالُ،
إننا نعيش في ظروف قاسية، ورياح عاصفة، وتيارات هُوْجٍ، تيارات التغريب والتغييب، التغريب الذي تَنَكَّرَ فيه رجالٌ منا لعلومنا وثقافتنا حتى صار الفتى العربي كما قال أبو الطيب:
وَلَكِـنَّ الفَتـى العَـرَبِيَّ فيها غَريبُ الوَجهِ وَاليَدِ وَاللِسانِ
رحمك الله يا أبا الطيب، ما أصدقَ كلامَك، وما أصحَّ لسانَك فقد نطق الرويبضة، وتكلم في العلم من لا يعرف كوعه من بُوعِه، حتى غُبِّرَ في وجوه الرجال، واختلط الحابل بالنابل:
تَشَابَهَتِ الأَسَافِلُ بِالأَعَالِي فَمَا يُدْرَى الْهَجِينُ مِنَ الْهِجَانِ
ولا يَرُدُّ هذه الهجماتِ الشرسةَ عن ثقافتنا وفكرنا إلا كلُّ عالم حُرٍّ أبيٍّ صامدٍ مرابطٍ على ثغر من ثغور الدين واللغة والفكر والثقافة، يحافظ على الأصالة وثوابت الفكر واللغة ويعصمها من الضياع، ويقول عن هذا الإرث الكريم مقالة إمام البلاغيين الإمام عبد القاهر الجرجاني: “إن لم يكن هذا كَدِّي، فهو تَعَبُ أبي وجَدِّي”.
كما ذكر فضيلته أن لهذه الكلية في رقابنا ديونًا لا نستطيع أن نردها، ديون الفضل والمعروف والمروءة، ديون التعليم والتثقيف والتأديب والتهذيب، وقديمًا قالوا: “عارٌ على الكريم أن يموت وعليه دين من ديون المروءة”. وقد حَرَصَتِ الجامعة منذ حَمَلْتُ أمانة إدارتها وخدمةَ كل من فيها على إحياء النهضة في الأقسام العلمية في الجامعة بمدارسة الأصول من كتب العلم في كل تخصص؛ حتى صار للأقسام بمدارستها دَوِيٌّ كدويِّ النحل، وقديما قالوا: “من حُرِمَ الأصول مُنِعَ الوصول” ، وأُهِيبُ بهذه الكلية الرائدة أن تواصل المسير، وأن تكون لأخواتها من الكليات رائدًا وإمامًا.
وطالب رئيس الجامعة بالوقوف في تجربتنا مع الجودة عند دروس؛ أهمها: الاعتماد على النفس؛ لأنه هو السبيل إلى النجاح والرقي في كل شيء، ليس هناك شيء أفضل من أن يكون علمك من رأسك، وطعامك من فأسك كما قال فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي-رحمه الله تعالى وطيب ثراه
وقد رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ وَكَانَ دَاوُدُ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ» ، وروى عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال “مَنْ بَاتَ كَالاًّ مِنْ عَمَلِهِ بَاتَ مَغْفُوْراً لَهُ”.
مضيفًا أنه ينبغي أن يكون هذا هو السبيل في الارتقاء بالبحث العلمي، فمن أقام حياته العلمية على الأخذ عن غيره والاقتباس من هنا وهناك دون أن يكون له فكر ينير به دربه فليس في يده من العلم إلا التراب، أو كما قال الشاعر هاجيا،
وليس من العلم في كفه إذا ذُكِرَ العلمُ غيرُ التراب
وقال بعض علمائنا: إذا رأيت الكاتب ليس عنده من شيء من فضل عقله فاتركه.