شكري: سياسة إسرائيل تستهدف جعل قطاع غزة غير قابل للحياة ومن ثم طرد سكانه
أكد وزير الخارجية سامح شكري أنه أصبح واضحا أن السياسات الإسرائيلية في قطاع غزة; إنما تستهدف جعل القطاع غير قابل للحياة، ومن ثم طرد سكانه وهو ما يتم بالتوازي مع ممارسات في الضفة الغربية من استيطان وهدم منازل واقتحامات عسكرية; ما يعكس سياسة ممنهجة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال التهجير القسري; وبما يخالف القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وهي السياسة التي نرفضها جملة وتفصيلا، وندعو المجتمع الدولي للتصدي لها عبر اتخاذ مواقف وإجراءات جادة لمواجهتها.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية أمام اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري بالدورة 161 المنعقد اليوم الأربعاء بالقاهرة.
وقال شكري إن القضية الفلسطينية وتطورات الحرب الإسرائيلية “شديدة الدموية” على الأشقاء في قطاع غزة; تفرض نفسها على أجندة اجتماعاتنا اليوم، ليس فقط لما تحتله هذه القضية من موقع سياسي وتاريخي ووجداني جوهري، أو لأنها كانت – ومازالت – هي القضية المركزية للعالم العربي، بل كذلك لما باتت تنطوي عليه من مأساة إنسانية فادحة لا تتوقف، تدمي قلوب أصحاب الإنسانية والضمير.
وأضاف أن أعداد ضحايا الآلة العسكرية الإسرائيلية تجاوزت 30 ألفا من أبناء الشعب الفلسطيني، ثلثيهم من النساء والأطفال، وتم نقل وتهجير ما يزيد عن 2.3 مليون شخص قسرا من منازلهم إلى العراء والخيام; خدمة لتوجه “انتقامي”; أصبحت أهدافه أكثر غموضا من أي وقت مضى.
وتابع: وكأن هذا لم يكن كافيا، ففرض على أبناء الشعب الفلسطيني العقاب الجماعي والتجويع وتم حرمانهم وأطفالهم من الحليب والغذاء والدواء، وأصبحنا في القرن الحادي والعشرين نطالع أخبار وفاة أطفال من الجوع ونقص الدواء، بل وصلنا إلى قتل الأطفال والمدنيين خلال محاولة حصولهم على وجبة غذاء أو جرعة دواء من المساعدات الشحيحة التي تصل إليهم جوا نظرا للتعنت الإسرائيلي المتعمد في إجراءات مرور المساعدات الإنسانية والذي أدى إلى استمرار تضاؤلها.
وحذر وزير الخارجية سامح شكري، بشدة، من النوايا الإسرائيلية للقيام بأعمال عسكرية واسعة في مدينة رفح الفلسطينية; التي أصبحت ملجأ لأكثر من مليون ونصف نازح فلسطيني، وما سيترتب على مثل تلك الخطوة من عواقب إنسانية كارثية.
وشدد على أنه لا يجب أن يغامر أحد بأسس السلام في المنطقة، تلك الأسس التي سعينا لتكريسها على مدار العقود الطويلة الماضية.
وقال شكري إن الجامعة العربية ودولها الأعضاء لم تأل جهدا منذ اللحظة الأولى للأزمة في بذل كل ما لديها من جهد وطاقة وقدرة واتصالات من أجل إيقاف عجلة الحرب، بل دفعنا منذ اللحظة الأولى ولا زلنا من أجل التوصل لوقف فوري وشامل لإطلاق النار في غزة، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية بشكل كاف للقطاع، وقد ذهبنا لمجلس الأمن، وصدر عنه القرار 2720 الذي نطالب بسرعة تنفيذه من خلال انشاء آلية داخل قطاع غزة لتسهيل دخول المساعدات تحت رعاية الأمم المتحدة لتجنب أي عراقيل في هذا الخصوص.
وأوضح أن جهود الجامعة العربية وأعضاءها لم تنطلق فقط بدافع المسئولية العربية، وهي مسئولية حقيقية راسخة، وإنما كذلك بدافع المسئولية الأخلاقية والإنسانية; فانضمت إلينا أصوات حرة من مختلف بقاع العالم، إلا أن الجهود المصرية والعربية الحثيثة اصطدمت بعجز مخجل للإرادة الدولية، وغلبة الانحيازات السياسية والمعايير المزدوجة، على حساب أبسط مفاهيم العدالة أو قواعد حقوق الإنسان أو تطبيق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وتابع “بل ووجدنا بعض دول العالم تمعن في عقاب الشعب الفلسطيني الأعزل، وتشارك فيما يواجهه من ظلم عبر الامتناع عن تمويل وكالة الأونروا; بما يعمق من معاناة الشعب الفلسطيني، وهي الخطوة التي تدعو مصر الدول التي اتخذتها إلى التراجع عنها، كما تدعو الدول العربية إلى زيادة مساهماتها ودعمها للأونروا”.
وقال وزير الخارجية “أخشى، إذا استمر هذا العجز والانحياز، أن تصبح هذه الأزمة منعطفا فارقا في الحكم على جدية مفاهيم العدالة الدولية والضمير الإنساني، وأن نكون أمام عودة مخيفة المفاهيم القوة والغلبة على حساب قواعد القانون والعدل ونشر السلام”.
كما اعرب عن خشيته من أن التبعات السياسية والأمنية والإنسانية شديدة الخطورة التي قد تنجم عن استمرار هذه الحرب الإسرائيلية لن تقتصر على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الشقيق فقط، وإنما ستستمر في الامتداد إلى المنطقة ككل، وتلقى بظلالها على الأمن والسلم الدوليين، على نحو ما تابعناه في البحر الأحمر وفي العراق وسوريا، ونراقبه بقلق بالغ في لبنان.
وجدد شكري، الدعوة للمجتمع الدولي إلى دعم الجهود المصرية والعربية في إنفاذ وقف فوري وشامل لإطلاق النار في غزة، وإيقاف نزيف الدم والقتل المجاني للعزل والاطفال في فلسطين، واستئناف تمويل الاونروا والضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات إلى أبناء القطاع; تمهيدا للانتقال إلى مسار حل سياسي جاد للقضية الفلسطينية والبدء في تنفيذ حل الدولتين من خلال تجسيد دولة فلسطينية قابلة للحياة عاصمتها القدس الشرقية وعلى خطوط الرابع من يونيو 1967، باعتباره المسار الأوحد لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم أجمع.
وأكد وزير الخارجية سامح شكري أن مأساة أشقائنا في فلسطين تأتي في ظل أزمات متفاقمة ومقلقة في السودان وليبيا، وفي سوريا، وفي الصومال الذي تتعرض سيادته ووحدة أراضيه لتهديد حقيقي بتوقيع إثيوبيا على اتفاق بشأن النفاذ إلى البحر الأحمر مع إقليم “صومالي لاند”; في اعتداء سافر على سيادة دولة عربية هي دولة الصومال الفيدرالية الشقيقة، واستمرارا لسياسات إثيوبيا التي لا تراعي الحد الأدنى لمبادئ حسن الجوار ولا تلتفت سوى لمصالحها الفردية; وهو الأمر الذي بدا – بشكل جلي – لمصر خلال المفاوضات الخاصة بسد النهضة، ودفعنا لاتخاذ القرار بإيقاف مشاركتنا في تلك المفاوضات التي لن تفضي لأية نتائج ملموسة، طالما استمرت إثيوبيا في نهجها الجاري.
وقال شكري – في ختام كلمته ألقاها وزير الخارجية امام اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري بالدورة 161 المنعقد اليوم الاربعاء بالقاهرة – إن تعدد الأزمات والتحديات، وما تحمله تلك الأمور من مهددات متعددة تطال دولنا وشعوبنا جميعا دون استثناء يفرض علينا العمل الجاد والمكثف من أجل تعزيز التنسيق والتكامل العربي المشترك، بهدف تعزيز قدرتنا الجماعية في حفظ أمننا ومقدرات شعوبنا حاضرا ومستقبلا.
وكان شكرى قد استهل الكلمة بتقديم التهنئة لمحمد سالم ولد مرزوك، وزير الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين بالخارج على رئاسة الجمهورية الإسلامية الموريتانية الشقيقة لأعمال الدورة 161 للمجلس، كما ثمن – عاليا – جهود ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج بالمملكة المغربية الشقيقة على رئاسته للدورة 160 بكل حكمة واقتدار; وهي فترة مهمة تضاف إلى تاريخ العمل العربي المشترك، إذ حفلت بالتحديات التي استوجبت عملا دؤوبا بيننا جميعا. كما تقدم بالشكر إلى أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية، وطاقم الأمانة العامة الموقر على ما بذلوه من جهد في تلك المرحلة الصعبة والدقيقة.