وزير الأوقاف يؤكد أهمية التواضع في طلب العلم والرضا بما قسمه الله
قال وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة: إن الحديث عن الكمال والجمال ومحاسن ومكارم الأخلاق الموجود في كتاب الله عز وجل لم ولن ينقطع، مؤكدا أن قراءة وتدبر القرآن الكريم وما جاء به من بيان يبرهن على أهمية الصبر والتواضع والرضا بما قسمه الله تعالى من أجل النعم.
وأضاف خلال حلقة برنامج “في رحاب القرآن الكريم” اليوم، تحت عنوان “كتاب الجمال والكمال، وفي رحاب سورة الكهف”، أن القرآن الكريم كما تحدث عن “الصبر الجميل”، و”الصفح الجميل” تحدث أيضا عن التواضع في طلب العلم بعد أن تحدث عن أهميته للإنسان، مؤكدا أن في قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح (عليهما السلام) في سورة الكهف معانٍ سامية، وقيمًا خالدة، وآيات عديدة.
وتابع أن القصة تحكي تواضع سيدنا موسى (عليه السلام) في طلب العلم، حيث قال للعبد الصالح بأسلوب تلطف: ”هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا”، فقال العبد الصالح: ” إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا”، فقال سيدنا موسى (عليه السلام): “ستجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا”، زيادة في الأدب والتلطف، فقال العبد الصالح: ” فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا، فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا” أي العبد الصالح، فقال له سيدنا موسى (عليه السلام)، “أخرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا”.
واستكمل الوزير، قائلا: هنا سأل موسى عليه السلام مستفهمًا ولم يقل له: قصدت أن تغرق أهلها، فاللام في (لِتُغْرِقَ) لام العاقبة، أو لام الصيرورة والمعنى: سيؤدي ذلك إلى غرق أهلها، “لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا”، شيئًا عظيمًا، “قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ “لأول مرة”، “وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ”، ولم يتحمل سيدنا موسى (عليه السلام) فقال:” أَقَتَلْتَ نفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا”، شيئًا منكرًا عظيمًا وكبيرًا، ويرد العبد الصالح مذكرا موسى عليهما السلام “قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا”، في المرة الأولى قال: “أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا”، وفي الثانية قال: “أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا”، وزيادة المبنى زيادة في المعنى، يا موسى حيث قد نبهتك إلى هذا، وهنا التزم سيدنا موسى (عليه السلام) أعلى درجات الأدب والحياء، حيث قال: “إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا”، “فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا”، طلبا منهم الطعام أو الضيافة، ” فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ”.
وأردف أنه في هذه الحالة طلب العبد الصالح من موسى عليهما السلام، أن يساعده، يا موسى ساعدني لأقيم الجدار، فساعده سيدنا موسى (عليه السلام)، ولما فرغا قال له: “لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا”، فأهل القرية قد طلبنا منهم الطعام ومع هذا أبوا أن يضيفونا، فقال له العبد الصالح: “هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا”، ويلاحظ هنا أنه قال: “سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا”، بينما قال في أواخر القصة،” ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا”، فقبل أن يفسر له قال النص الأول كأنه يقول له: أنت لم تطق، فلما علم بالأمر فخفت حدة تطلعه للمعرفة جاء بالنص الثاني، حيث إن زيادة المبنى تدل على زيادة في المعنى.
وأشار وزير الأوقاف، إلى ما أظهره العبد الصالح من الحقائق لسيدنا موسى (عليه السلام) حيث يقول تعالى: “أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا”، لا ليغرق أهلها على الإطلاق بل لتسلم لأصحابها، “وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا”، قال أهل العلم : يأخذ كل سفينة صالحة غير معيبة، وأما السفينة المعيبة فيتركها لأصحابها، ثم يعاودون إصلاحها بعد نجاتهم، ولا يصيبهم أذى أو مكروه، وتبقى السفينة لأصحابها المساكين، وهنا يقول القائل: قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت.. ويبتلي الله بعض القوم بالنعم”.
وأوضح وزير الأوقاف أنه قد يكون الإنسان على سفر، ويفوته الركوب في سيارة معينة، لحكمة يعلمها الله ويدبرها له رب العالمين، قد تكون لينجيه من حادث أليم، أو ذهابه لمصير محتوم، وكذلك قد يشتري الإنسان سيارة وتكون سببًا في هلاكه هو وأسرته، يقول تعالى: “وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”، “وَعَسى أَن تَكْرهُوا شَيْئًا وَيَجْعَل اللهُ فِيه خَيْرًا كَثِيرًا”، ولو علمتم ما في الغيب لاخترتم ما في الواقع، “وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا”.
وذكر أن الأولاد نعمة، والعقم نعمة، حيث يقول سبحانه: “لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ”، قال بعض أهل العلم: ما دام أن الله تعالى ذكر العقم في معرض النعم فيكون العقم نعمة منه سبحانه، وحينما يبتلى الإنسان بولد عاق يعلم ويتيقن أن العقم نعمة من نعم الله تعالى، فالولد الشقي قد يكون سببًا في شقاء والديه، لهذا كما يكون الولد نعمة يكون العقم نعمة، ارض بما قسم الله لك، فإن قسم الله لك الذكور فهي نعمة من الله، والخيرة في الذكور، وإن قسم لك الإناث فهي نعمة من الله، والخيرة في الإناث، وإن زوجك ذكرانًا وإناثًا فالخيرة في هذا.
وواصل أن ابتلاك الله بالعقم فالخيرة فيما امتحنك الله به، ومن يتصفح الحوادث والأخبار يدرك أن الولد الشقي قد يكون سببًا في قتل أبيه، أو أمه، كما قد يكون وبالًا عليهما، “وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا”، “وأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا”، وقال الوزير “وهنا وقفة”، قال بعضهم : كان أبوه المباشر، وقال بعضهم: الجد، وقال بعضهم: الجد السابع، فصلاح الآباء تمتد بركته إلى الأبناء والأحفاد، “فَأَرَادَ ربك أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ”.
واستطرد وزير الأوقاف، أن من الأدب السامي الذي رعاه العبد الصالح، قوله في السفينة: “فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا”، حيث نسب عيب السفينة لنفسه، أما في الجدار فقال تعالى: “وأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ” حيث نسب الخير إلى الله تعالى، “فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا”، وهنا نقول لكل إنسان: ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، ولو علمتم ما في الغيب لاخترتم الواقع ، فليرض كل واحد منا بما قسمه الله تعالى له.