“ثقافة د.مشرفة” في ثاني أيام مؤتمر التراث وترسيخ الهوية في دار الكتب والوثائق
كتب – يسري الجبالي
تناول الدكتور وليد مبارك المدير التنفيذي لمركز دراسات التراث العلمي بجامعة القاهرة في كلمته بمؤتمر “التراث وترسيخ الهوية” المنعقد في دار الكتب والوثائق القومية موضوع “ثقافة د. علي مصطفي مشرفة العلمية وجهوده في إحياء التراث العلمي”.
وأشارت أن عليّ مصطفى مشرفة (1898م – 1950م) من أعظم من أنجبتهم مصَر من علماء في عصرنا الحديث، وقد اتصف علمه بالموسوعية والشمول وتعدد مواهبه فقد كان باحثًا حصيفًا ومؤرخًا واعيًا، ومحققًا مُدققًا، وأديبًا ناقدًا.
وكان رحمه الله حَفيًا بالتراث العربىّ شغوفًا به، وكان من أثر ذلك اشتغاله بإخراج كتاب الجبر والمقابلة للخوارزمي في نشرة علمية تليق بالكتاب وتحتفى بموضوعه.
وشملت الكلمة ثلاثة محاور
المحور الأول: د. علي مصطفى مشرفة حياته وأثاره، المحور الثاني: ثقافة التراث العلمي عند د. مشرفة وآثرها في إبداعه الفكري، والمحور الثالث: جهود د. مشرفة في إحياء التراث العلمي.
وقد ولد مشرفة في الحادي عشر من يوليو 1898م في محافظة دمياط، وأنهى دراسته الثانوية في المدرسة السعيدية بالقاهرة عام 1912م، وحصل على شهادة البكالوريوس في الرياضيات من جامعة نوتنجهام الإنجليزية، ثم دكتوراه العلوم من جامعة لندن عام(1923م).
وعُيّن مدرسا للرياضيات في كلية المعلمين العليا، من سنة 1923م إلى 23/10/1925م، وانتخبه مجلس الكلية وكيلاً لها مدة عام دراسي(1930 –1931)، وكان عميد الكلية إنجليزيًا في ذلك الوقت، وأعيد تعينه وكيلاً للكلية(1932-1933).
في مايو 1936م،اجتمع مجلس الكلية وتم انتخابه عميدًا لكلية العلوم ليصير أول عميد مصري يتولى هذا المنصب، واستمر عميدًا حتى وفاته 1950م.
ويعد علي مصطفي مشرفة أحد كبار أعلام النهضة المصرية والعربية خلال النصف الأول من القرن العشرين، وكان معروفًا جيدًا في مؤتمرات المستشرقين وله فيها إسهامات بالغة الأهمية والقيمة، ويُعد أول من قام بتدريس التاريخ الإسلامي في تاريخ الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في العالمين العربي والإسلامي؛ إذ تولى تدريس الحضارة الإسلامية في الجامعة المصرية عند افتتاحها سنة 1908م.
وامتازت أعماله التي امتدت ربع قرن بالتنوع في مجال التراث العلمي، مخاطبًا فيها جمهور الشعب المصري والعربي، على جميع مستوياتهم، وقد أسهم في إحياء الكتب التراثية، وإظهارها للناس، والتعليق على مشتملاتها، بنشر الكتب العلمية المبعثرة في متاحف العالم ومكتباته، والأمم تُعَنى بتراثها العلمي؛ لأنه نوع من الغذاء الروحى، لعلمائها ومفكريها وسائر المتعلمين فيها، وهو من أوائل من عملوا على النهوض بها، خدمة للعلم، وآية ذلك أنهُ عِني بنشر كتاب محمد بن موسى الخوارزمي، في الجبر والمقابلة، عام 1939م وشرحه هو وصديقه د. محمد مرسي أحمد، علقَّا عليه وحَلَّلا مسائله بعبارات الاصطلاح الحديث.
عندما تكلم عن نواحي الحسن بن الهيثم، بمناسبة مرور تسعة قرون على وفاته، في الجمعية المصرية للعلوم الرياضية والطبيعية، كشف عن نَوَاحٍ جديدة في الحضارة العربية الإسلامية، وأزال الغيوم عن نقاط غامضة فى التراث العربى ، وحَضَّ على إحياء ذكرى نوابغ الإسلام والعرب، إذ كثيرًا، ما نادى “بوجوب أن نُعْنَى بتمجيد السلف من علماء العرب وباحثيهم فيكون ذلك حافزًا للاقتداء بهم وتتبع خطاهم، فُتْعَقد اجتماعات تخليدية فى عواصم البلاد العربية، تُلَقى فيها البحوث عن علماء العرب وآثارهم
ومشرفة من أوائل المصريين القائلين بوجوب إيجاد التعاون العلمي والثقافي في البلاد العربية بعقد المؤتمرات العلمية في الأمم العربية، ويحضر المصري والعراقي والشامي والأردني والحجازي والليبي والسوداني واليمني وكل ناطق بالضاد، يكون من أغراضها نشر علم علماء العرب من أمثال الخوارزمي والحسن ابن الهيثم والبيروني وغيرهم من الجهابذة الأعلام، إذ لا شك فى رأيه أن التعاون العلمي الثقافي بين البلاد العربية سيكون له أثر كبير فى حاضرنا ومستقبلنا.
أولى د. مشرفة اهتمامًا خاصًا بتنمية التراث العلمي الثقافي من خلال المعارض، حيث سعى حتى وافقت الحكومة اللبنانية على إعارة كلية العلوم بالقاهرة معرض تاريخ العلوم عند العرب، وعرض فى الوقت نفسه مع معرض الطاقة الذري، لتبصير الشعب العربي بخطورة الأبحاث العلمية ورفع مستواه فى المسائل العلمية، وبذلك رأى الزائر للمعرض عدة لوحات تمثل العلوم العربية التى نقلت للغرب، ومقام العلم العربى في تاريخ العلم.
كما أسهم في نشر الثقافة العلمية العربية وإثرائها بالعديد من الأحاديث والبرامج الإذاعية المصرية والعربية، لأن الثقافة الأدبية مع مالها من قيمة، لم تعد وحدها كافية، فإن الثقافة العلمية لا تقل اليوم عنها وعن العلوم المُيَسَّرة شأنًا فى تكوين العقلية الحديثة، وجعل بعض جهابذة العلماء يجودون بثمرات قرائحهم ونشرها ضمن سلسلة أحاديث كلية العلوم، ليجد فيها المِصْرِيُّون وباقي الأمم الناطقة بالضاد متعة وفائدة.
و المتتبع للإنتاج الفكري لمشرفة يجد أنه احتفى بالخوارزمي عالمًا كبيرًا من علماء الحضارة الإسلامية؛ وظهر ذلك في محاضرتين: جاءت الأولي بعنوان محمد بن موسي الخوارزمي وأثره في علم الجبر ألقاها في جامعة فؤاد الأول عام 1939م، وبعد أن نشر الكتاب بمدةٍ يسيرةٍ حاضر عنه مرة أخرى بالمحاضرة نفسها، ولهذا التنبَّه الشديد لقيمة الخوارزمي العلمية بادر إلى إخراج كتابه الجبر والمقابلة، وجعله مقررًا للدرس على طلاب كلية العلوم بالجامعة المصرية.
وكان مشرفة يقول: إن أول واجب على مفكرينا وقادة الرأي فينا، أن يوجهوا الرأي العام في البلاد العربية صوب الفكرة العلمية، التي تواجه الحقائق وتعني بالجوهر وتطلب اللب لا القشور.
لقد امتازت أعمال مشرفة بالتنوع في مجال التراث العلمي؛ فلقد أسهم في إحياء الكتب التراثية، وإظهارها للناس، ودعا إلى نشر الكتب العلمية المبعثرة في متاحف العالم ومكتباته.
لم ينشر مشرفة إلا نَصَّا واحدا مُحَقَّقَّا، ولكنه فتح باب التحقيق ونشر التراث في وقت مبكر لم يكن فيه حظً لصوت التراثيين، ولم يكن لدى الكثير من علماء عصره وعي بأهمية التراث والعلم العربي.
حاول علي مشرفة أيضًا إبراز الثقافة العلمية في التراث العربي والاهتمام باللغة العربية في كتابه: “العلم والحياة” ،فدعى إلى اعتماد اللغة العربية لغةً للعلم والثقافة العلمية، وكان لا يترك فرصة تسنح لخدمة بلاده إلا انتهزها، فأقام معرضًا علميَّا بكليته سمي” مهرجان العلم”، وسعى كذلك لإعارة معرض الطاقة الذرية لكلية العلوم لدى جمعية علماء الطاقة الذرية بإنجلترا، فأعد قطارًا إعدادًا خاصًا سمي “بالقطار الذري”.
كما أسهمت جهوده في مجال تأصيل العلوم والتعرف على البيئة والظروف التي سمحت للأفكار والاكتشافات أن تولد وتنمو وتزدهر، وتصبح بعد ذلك فروعا أساسية في شجرة المعرفة والحضارة الإنسانية.
امتاز أسلوبه بالمزاوجة بين العلم الحديث والحضارة العربية والمصرية القديمة: في رؤية علمية وأسلوب قصصي يصل بالإنسان إلى وعي حقيقي بالعلم والعلوم وكان هذا من أولوياته.