كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام مؤتمر باريس حول ليبيا
بسم الله الرحمن الرحيم
صديقي العزيز فخامة الرئيس “إيمانويل ماكرون” رئيس الجمهورية الفرنسية،
فخامة المستشارة “أنجيلا ميركل” مستشارة جمهورية ألمانيا الاتحادية،
دولة رئيس الوزراء/ “ماريو دراجي” رئيس وزراء الجمهورية الإيطالية،
معالي المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا السيد/ يان كوبيتش،
أصحاب الفخامة والمعالى،
السيدات والسادة،
يطيب لي في البداية، أن أتقدم بخالص التحية والتقدير للرئيس “إيمانويل ماكرون”، ولجمهورية فرنسا الصديقة على استضافة هذا المؤتمر المهم وأن أرحب بفخامة الدكتور “محمد المنفى”، رئيس المجلس الرئاسي الليبي ودولة رئيس الوزراء “عبد الحميد الدبيبة”، رئيس حكومة الوحدة الوطنية متمنيًا لهما التوفيق في مهمتهما، في خدمة مصالح الشعب الليبي الشقيق وتحقيق تطلعاته نحو المضي قدمًا، باتجاه مستقبل أفضل.
السيدات والسادة،
يأتي اجتماعنا اليوم، بعد ما يقرب من عامين، من قمة “برلين” حول ليبيا حين تعهدنا معًا، بحماية سيادة ليبيا، واستقلالها وسلامتها الإقليمية والتزمنا بدعم جهود الأمم المتحدة، لإطلاق عملية سياسية شاملة ومستدامة، بقيادة وملكية ليبية من أجل إنهاء حالة الصراع، واستعادة الاستقرار، الذي ينشده الشعب الليبي أجمع.
ولعلى أذكر في هذا السياق، أن مصر وجهت حينئذ، رسالة واضحة إلى كافة أطراف المعادلة في ليبيا مفادها، أن الوقت قد حان للبدء في إجراءات محددة للوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة الليبية محذرة من خطورة استمرار الصراع المسلح، على الأمن القومي الليبي وعلى دول جوارها العربي والأفريقي والأوروبي عمومًا وأننا قد نضطر لاتخاذ إجراءات لحماية أمننا القومي وحفظ ميزان القوة في حالة الإخلال به.
وكان لهذا الموقف أثره الواضح، على مختلف الأطراف للانخراط بجدية، في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة. وقد تركزت جهود مصر، مدفوعة بما يربطها بليبيا من أواصر متعددة على إيجاد أرضية مشتركة بين الأشقاء الليبيين لإطلاق حوار وطني، يعالج جذور الأزمة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا بالتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة، والأمم المتحدة.
وها نحن نجتمع اليوم، لنشهد أن الوضع في ليبيا، يتجه إلى الأفضل حيث يتزامن مع اجتماعنا، مرور العملية السياسية الليبية بمرحلة حاسمة تستهدف تتويج الجهود الدولية والإقليمية، بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر، يوم ٢٤ ديسمبر ٢٠٢١.
واتصالًا بذلك، فإننا نتطلع إلى نجاح إتمام هذا الاستحقاق المفصلي الذي طال انتظاره، وخروجه بالشكل الذي يليق بعراقة الشعب الليبي الشقيق لكي تعود بلاده العزيزة إلى مكانتها، ودورها العربي والإقليمي الفاعل.
ولا يفوتني أن أشيد في هذا السياق، بالإجراءات المتخذة من جانب المجلس الرئاسي الليبي، وحكومة الوحدة الوطنية للإعداد للانتخابات وبجهود مجلس النواب الليبي، وتنسيقه مع المفوضية العليا للانتخابات الليبية التي تبذل جهودًا كبيرة، حتــــــى يتسـنى عـقد الاســتحقاق الانتخابي بما يتيح لأشقائنا الليبيين المجال، للتعبيرين إرادتهم الحرة ويقطع الطريق أمام من يمنون النفس بتجاوز هذا الاستحقاق لتحقيق أهداف ضيقة، بعيدة كل البعد عن المصالح العليا لليبيا ودون الالتفات إلى أن ذلك، سينتج حالة من السخط الشعبي قد تعود بالموقف إلى المربع الأول وهو ما لا نأمل حدوثه.
أصحاب الفخامة والمعالى،
إن استعادة الاستقرار الدائم، وتحقيق السلم الاجتماعي، والحفاظ على الهوية والنسيج الوطني في ليبيا له متطلبات لا يمكن تجاوزها تتمثل في إتمام المصالحة الوطنية الشاملة، بين جميع أبناء الشعب الليبي وإيلاء الاهتمام للتوزيع العادل للثروات، لتحقيق التنمية الشاملة في سائر أقاليم ليبيا، دون استثناء وصولًا إلى دفع عجلة الاقتصاد، وضمان الاستفادة المثلى من موارد ليبيا، تلبية لآمال أبناء شعبها.
وارتباطًا بما تقدم، وفى إطار المصارحة بين الشركاء والأصدقاء، من منظور واقعي فإنه لا يمكن لليبيا، أن تستعيد سيادتها، ووحدتها واستقرارها المنشود إلا بالتعامل الجاد مع الإشكالية الرئيسية التي تعوق حدوث ذلك والمتمثلة في تواجد القوات الأجنبية، والمرتزقة، والمقاتـليـن الأجانـب على أراضيها على نحو ينتهك ما نص عليه قرارًا مجلس الأمن رقما “٢٥٧٠” و”٢٥٧١” والمخرجات المتوافق عليها دوليًا وإقليميًا الصادرة عن مؤتمر “برلين ٢” ومقررات جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، ودول جوار ليبيا بشأن ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية، والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد، بدون استثناء أو تفرقة، أو المزيد من المماطلة.
ومن هنا، فإنه من المهم، أن يكون الموقف الصادر عن اجتماعنا اليوم واضحًا لا لبس فيه، بشأن رفض بقاء الوضع على ما هو عليه وإدانة استمرار مخالفة المقررات الدولية ذات الصلة بإنهاء كافة أشكال التواجد العسكري الأجنبي في ليبيا وربما يكون الأهم أن يتم تدشين آليات وضمانات، لتنفيذ ما نتفق عليه وما تسعى لجنة “٥ + ٥” العسكرية المشتركة، بصدق ووطنية، إلى تحقيقه من خلال خطتها ذات الصلة وأن يتم تحديد مدى زمنى واضح وملزم، لتنفيذ خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب الذين دخلوا إلى ليبيا بعد عام ٢٠١١ حتى لا تعود الأمور إلى الوراء كما حدث في مراحل عديدة سابقة.
وأجدد لكم استعداد مصر التام لتقديم كافة أشكال الدعم للأشقاء في ليبيا لتنفيذ خطة لجنة “٥ + ٥” العسكرية المشتركة في هذا الخصوص وتوحيد مؤسسات الدولة، وبناء القدرات لكي يملك الليبيون مقدراتهم ويتمكنوا من تقرير مصيرهم ورسم مستقبلهم.
وأحذر في هذا الصدد، من محاولات بعض الأطراف داخل وخارج ليبيا تقويض أي تقدم على صعيد هذا المسار تحت حجج وذرائع واهية ظنا بأنه يمكن المحافظة على وضع لا يمكن لأي ليبي حر معتز بوطنيته وسيادة بلاده، القبول باستمراره.
وأدعو جميع الأطراف الفاعلة، داخل ليبيا وخارجها إلى الارتقاء لمستوى الحدث والتصرف بمسئولية وبمنطق رشيد والكف عن أوهام التمدد وبسط النفوذ، والعبث بمقدرات وأمن الغير والتوقف عن سياسة فرض الأمر الواقع، باستخدام القوة العسكرية أو المادية فضلًا عن عدم توفير ملاذات آمنة، أو أي شكل من أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والمتطرفة أو نقل عناصرها من دولة إلى أخرى بما يخرج ليبيا من أزمتها، ويرفع المعاناة عن شعبها الشقيق.
أصحاب الفخامة والمعالى،
السيدات والسادة،
أؤكد لكم مجددًا، أن مصر كانت وستظل داعمة للشعب الليبي وللجهود الدولية والإقليمية المتواصلة لتحقيق طموحاته مع تقديرنا في هذا الإطار لجهود مسار برلين، ودول جوار ليبيا، والبعثة الأممية للدعم في ليبيا، والمنظمات الإقليمية المختلفة.
وختامًا، اسمحوا لي أن أخاطب أشقاءنا في ليبيــا، مباشـــرة مــن القلب فأقــول لهــم:
يا أحفاد عمر المختار لقد حان الوقت لكى تستلهموا عزيمة أجدادكم الذين بذلوا الغالي والنفيس، من أجل الحرية واستقلال القرار الوطني وأن تلفظوا من بلادكم كل أجنبي ودخيل، مهما تغنى بأن في وجوده خيرًا لكم فالخير في أياديكم أنتم، إن تجاوزتم خلافاتكم، وعقدتم العـــزم علــى بنـــاء بلادكـم بإرادة ليبيـــة حــــرة وفى هذا، ستجدون في مصر سندًا لكم، وقوة متى احتجتموها دعما لأمنكم، ولخياراتكم وطموحاتكم المشروعة في غدٍ أفضل وإعلاء لمصالح بلادكم العليا ويدًا تمد العون لنقل الخبرات، من أجل تعظيم مصالحنا المشتركة إيمانًا من مصر بوحدة الهدف، على طريق البناء والتطوير والتنمية بما يحقق آمال شعبينا الشقيقين في ظل ما يربطهما من أواصر الأخوة والجوار، والانتماء العربي والأفريقى والمصير المشترك.
شكرًا لكم على حسن الاستماع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.